responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 8
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ قَوْلِهِ: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ.
قُلْنَا: فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ إِعْلَامٌ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّه قَبُولُهَا، وُجُوبَ الْكَرَمِ وَالْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ، لَا وُجُوبَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَقَوْلُهُ: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ/ إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ سَيَفْعَلُ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ يَعْنِي إِنَّمَا الْهِدَايَةُ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِرْشَادُ إِلَيْهَا وَالْإِعَانَةُ عَلَيْهَا عَلَى اللَّه تَعَالَى فِي حَقِّ مَنْ أَتَى بِالذَّنْبِ عَلَى سَبِيلِ الْجَهَالَةِ ثُمَّ تَابَ عَنْهَا عَنْ قَرِيبٍ وَتَرَكَ الْإِصْرَارَ عَلَيْهَا وَأَتَى بِالِاسْتِغْفَارِ عَنْهَا. ثُمَّ قَالَ: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي هَذَا شَأْنُهُ إِذَا أَتَى بِالتَّوْبَةِ قَبِلَهَا اللَّه مِنْهُ، فَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ التَّوْفِيقُ عَلَى التَّوْبَةِ، وَبِالثَّانِي قَبُولُ التَّوْبَةِ.
ثُمَّ قَالَ: وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً أَيْ وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَتَى بِتِلْكَ الْمَعْصِيَةِ لِاسْتِيلَاءِ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ وَالْجَهَالَةِ عَلَيْهِ، حَكِيمًا بِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا كَانَ مِنْ صِفَتِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ تَابَ عَنْهَا مِنْ قَرِيبٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ في الكرم قبول توبته.

[سورة النساء (4) : آية 18]
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ شَرَائِطَ التَّوْبَةِ الْمَقْبُولَةِ أَرْدَفَهَا بِشَرْحِ التَّوْبَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَشَاهَدَ أَهْوَالَهُ فَإِنَّ تَوْبَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى بَحْثَيْنِ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَوْبَةَ مَنْ وَصَفْنَا حَالَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: هَذِهِ الْآيَةُ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي الْمَطْلُوبِ، الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غَافِرٍ: 85] الثَّالِثُ: قَالَ فِي صِفَةِ فِرْعَوْنَ: حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يُونُسَ: 90، 91] فَلَمْ يَقْبَلِ اللَّه تَوْبَتَهُ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْعَذَابِ، وَلَوْ أَنَّهُ أَتَى بِذَلِكَ الْإِيمَانِ قَبْلَ تِلْكَ السَّاعَةِ بِلَحْظَةٍ لَكَانَ مَقْبُولًا، الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها [الْمُؤْمِنُونَ: 99، 100] الْخَامِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى / أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها [الْمُنَافِقُونَ: 10، 11] فَأَخْبَرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ. السَّادِسُ:
رَوَى أَبُو أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ،
أَيْ مَا لَمْ تَتَرَدَّدِ الرُّوحُ فِي حَلْقِهِ، وَعَنْ عَطَاءٍ: وَلَوْ قَبْلَ مَوْتِهِ بِفُوَاقِ النَّاقَةِ. وَعَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ إِبْلِيسَ قَالَ حِينَ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ: وَعِزَّتِكَ لَا أفارق ابن آدم ما دام رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي لَا أُغْلِقُ عَلَيْهِ بَابَ التَّوْبَةِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ [النساء: 18] أَيْ عَلَامَاتُ نُزُولِ الْمَوْتِ وَقُرْبِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [البقرة: 180] .

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 8
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست