responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 72
كَانَتْ تُلَبِّيهِ إِذَا دَعَاهَا، وَتَخْضَعُ لَهُ بِالْقَوْلِ إِذَا خَاطَبَهَا ثُمَّ تَغَيَّرَتْ، وَالْفِعْلُ مِثْلَ أَنْ كَانَتْ تَقُومُ إِلَيْهِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا، أَوْ كَانَتْ تُسَارِعُ إِلَى أَمْرِهِ وَتُبَادِرُ إِلَى فِرَاشِهِ بِاسْتِبْشَارٍ إِذَا الْتَمَسَهَا، ثُمَّ إِنَّهَا تَغَيَّرَتْ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ، فَهَذِهِ أَمَارَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى نُشُوزِهَا وَعِصْيَانِهَا، فَحِينَئِذٍ ظَنُّ نُشُوزِهَا/ وَمُقَدِّمَاتُ هَذِهِ الْأَحْوَالِ تُوجِبُ خَوْفَ النُّشُوزِ. وَأَمَّا النُّشُوزُ فَهُوَ مَعْصِيَةُ الزَّوْجِ وَالتَّرَفُّعُ عَلَيْهِ بِالْخِلَافِ، وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ نَشَزَ الشَّيْءُ إِذَا ارْتَفَعَ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْأَرْضِ المرتفعة: ونشز وَنَشَرَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَمَّا الْوَعْظُ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَهَا: اتَّقِي اللَّه فَإِنَّ لِي عَلَيْكِ حَقًّا وَارْجِعِي عَمَّا أَنْتِ عَلَيْهِ، وَاعْلَمِي أَنَّ طَاعَتِي فَرْضٌ عَلَيْكِ وَنَحْوُ هَذَا، وَلَا يَضْرِبُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهَا فِي ذَلِكَ كِفَايَةٌ، فَإِنْ أَصَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّشُوزِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَهْجُرُهَا فِي الْمَضْجَعِ وَفِي ضِمْنِهِ امْتِنَاعُهُ مِنْ كَلَامِهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ. وَلَا يَزِيدُ فِي هَجْرِهِ الْكَلَامَ ثَلَاثًا، وَأَيْضًا فَإِذَا هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ فان كانت تحب الزوج شق ذلك عَلَيْهَا فَتَتْرُكُ النُّشُوزَ، وَإِنْ كَانَتْ تُبْغِضُهُ وَافَقَهَا ذَلِكَ الْهِجْرَانُ، فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى كَمَالِ نُشُوزِهَا، وَفِيهِمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْهِجْرَانِ فِي الْمُبَاشَرَةِ، لِأَنَّ إِضَافَةَ ذَلِكَ إِلَى الْمَضَاجِعِ يُفِيدُ ذَلِكَ، ثُمَّ عِنْدَ هَذِهِ الْهِجْرَةِ إِنْ بَقِيَتْ عَلَى النُّشُوزِ ضَرَبَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: وَالضَّرْبُ مُبَاحٌ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ.
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ تَمْلِكُ رِجَالُنَا نِسَاءَهُمْ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَوَجَدْنَا نِسَاءَهُمْ تَمْلِكُ رِجَالَهُمْ، فاختلطت نساؤنا بنسائهم فَذَئِرْنَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، أَيْ نَشَزْنَ وَاجْتَرَأْنَ، فَأَتَيْتُ النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقلت:
ذَئِرَتِ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَأَذِنَ فِي ضَرْبِهِنَّ فَطَافَ بِحُجَرِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمْعٌ مِنَ النِّسْوَانِ كُلُّهُنَّ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أَطَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ وَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ»
وَمَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِينَ ضَرَبُوا أَزْوَاجَهُمْ لَيْسُوا خَيْرًا مِمَّنْ لَمْ يَضْرِبُوا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ الضَّرْبِ، فَأَمَّا إِذَا ضَرَبَهَا وَجَبَ فِي ذَلِكَ الضَّرْبِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مُفْضِيًا إِلَى الْهَلَاكِ الْبَتَّةَ، بِأَنْ يَكُونَ مُفَرَّقًا عَلَى بَدَنِهَا، ولا يوالي بها فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَيَتَّقِي الْوَجْهَ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ، وَأَنْ يَكُونَ دُونَ الْأَرْبَعِينَ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَبْلُغُ بِهِ عِشْرِينَ لِأَنَّهُ حَدٌّ كَامِلٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ بِمِنْدِيلٍ مَلْفُوفٍ أَوْ بِيَدِهِ، وَلَا يَضْرِبُهَا بِالسِّيَاطِ وَلَا بِالْعَصَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّخْفِيفُ مُرَاعَى فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ.
وَأَقُولُ: الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى ابْتَدَأَ بِالْوَعْظِ، ثُمَّ تَرَقَّى مِنْهُ إِلَى الْهِجْرَانِ فِي الْمَضَاجِعِ، ثُمَّ تَرَقَّى مِنْهُ إِلَى الضَّرْبِ، وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ يَجْرِي مَجْرَى التَّصْرِيحِ فِي أَنَّهُ مَهْمَا حَصَلَ الْغَرَضُ بِالطَّرِيقِ الْأَخَفِّ وَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَلَمْ يَجُزِ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَشَقِّ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا قَالَ بَعْضُهُمْ: حُكْمُ هَذِهِ الْآيَةِ مَشْرُوعٌ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ/ اللَّفْظِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى الْجَمْعِ إِلَّا أَنَّ فَحْوَى الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ،
قَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ: يَعِظُهَا بِلِسَانِهِ، فَإِنِ انْتَهَتْ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَبَتْ هَجَرَ مَضْجَعَهَا، فَإِنْ أَبَتْ ضَرَبَهَا، فَإِنْ لَمْ تَتَّعِظْ بِالضَّرْبِ بَعَثَ الْحَكَمَيْنِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هَذَا التَّرْتِيبُ مُرَاعًى عِنْدَ خَوْفِ النُّشُوزِ، أَمَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ النُّشُوزِ فَلَا بَأْسَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْكُلِّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَحْرِيرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ لَهُ عِنْدَ خَوْفِ النُّشُوزِ أَنْ يَعِظَهَا، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَهْجُرَهَا؟ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَلَهُ عِنْدَ إِبْدَاءِ النُّشُوزِ أَنْ يَعِظَهَا أَوْ يَهْجُرَهَا، أَوْ يضربها.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 72
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست