responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 60
الْإِشْرَاكُ باللَّه وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ»
وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْهَا مَا لَيْسَ مِنَ الْكَبَائِرِ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ [الْحُجُرَاتِ: 7] وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَنْهِيَّاتِ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ: أَوَّلُهَا: الْكُفْرُ، وَثَانِيهَا: الْفُسُوقُ. وَثَالِثُهَا: الْعِصْيَانُ، فَلَا بُدَّ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ الْفُسُوقِ وَبَيْنَ الْعِصْيَانِ لِيَصِحَّ العطف، وما ذلك إِلَّا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغَائِرِ وَبَيْنَ الْكَبَائِرِ، فَالْكَبَائِرُ هِيَ الْفُسُوقُ، وَالصَّغَائِرُ هِيَ الْعِصْيَانُ. وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَثْرَةُ نِعَمِ مَنْ عَصَى. وَالثَّانِي: إِجْلَالُ مَنْ عَصَى، فَإِنِ اعْتَبَرْنَا الْأَوَّلَ فَنِعَمُ اللَّه غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، كَمَا قَالَ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها [النحل: 18] وَإِنِ اعْتَبَرْنَا الثَّانِي فَهُوَ أَجَلُّ الْمَوْجُودَاتِ وَأَعْظَمُهَا، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عِصْيَانُهُ فِي غَايَةِ الْكِبَرِ، فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ فَهُوَ كَبِيرَةٌ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى أَجَلُّ الْمَوْجُودَاتِ وَأَشْرَفُهَا، فَكَذَلِكَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَأَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ، وَأَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ عَنْ طَاعَاتِ الْمُطِيعِينَ وَعَنْ ذُنُوبِ الْمُذْنِبِينَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ خِفَّةَ الذَّنْبِ.
الثَّانِي: هَبْ أَنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا كَبِيرَةٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا ذُنُوبٌ، وَلَكِنَّ بَعْضَهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّفَاوُتَ.
إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الذُّنُوبَ عَلَى قِسْمَيْنِ بَعْضُهَا صَغَائِرُ وَبَعْضُهَا كَبَائِرُ، فَالْقَائِلُونَ بِذَلِكَ فَرِيقَانِ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْكَبِيرَةُ تَتَمَيَّزُ عَنِ الصَّغِيرَةِ فِي نَفْسِهَا وَذَاتِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا الِامْتِيَازُ إِنَّمَا يَحْصُلُ لَا فِي ذَوَاتِهَا، بَلْ بِحَسَبِ حَالِ فَاعِلِيهَا، وَنَحْنُ نَشْرَحُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ.
أَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: فَالذَّاهِبُونَ إِلَيْهِ وَالْقَائِلُونَ بِهِ اخْتَلَفُوا اخْتِلَافًا شَدِيدًا، وَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَى بَعْضِهَا، فَالْأَوَّلُ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مَقْرُونًا بِذِكْرِ الْوَعِيدِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، نَحْوَ قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَالزِّنَا وَالرِّبَا وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ. الثَّانِي: قَالَ ابْنُ مَسْعُودَ: افْتَتِحُوا سُورَةَ النِّسَاءِ، فَكُلُّ شَيْءٍ نَهَى اللَّه عَنْهُ حَتَّى ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ آيَةً فَهُوَ كَبِيرَةٌ، ثُمَّ قَالَ مِصْدَاقُ ذَلِكَ: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ [النِّسَاءِ: 31] الثَّالِثُ: قَالَ قَوْمٌ: كُلُّ عَمْدٍ فَهُوَ كَبِيرَةٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ ضَعِيفَةٌ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقَ الذَّمِّ فِي الْعَاجِلِ وَالْعِقَابِ فِي الْآجِلِ، / فَالْقَوْلُ بِأَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مَقْرُونًا بِالْوَعِيدِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرَةً وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ كَثِيرًا مِنَ الْكَبَائِرِ فِي سَائِرِ السُّوَرِ، وَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهَا بِهَذِهِ السُّورَةِ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَضَعِيفٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالْعَمْدِ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَاهٍ عَنْ فِعْلِهِ، فَمَا هَذَا حَالُهُ هُوَ الَّذِي نَهَى اللَّه عَنْهُ، فَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرَةً وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْعَمْدِ أَنْ يَفْعَلَ الْمَعْصِيَةَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يَكْفُرُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كُفْرٌ كَبِيرٌ، فَبَطَلَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّه فِي مُنْتَخَبَاتِ كِتَابِ إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ فَصْلًا طَوِيلًا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ فَقَالَ: فَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْكَبَائِرُ تَمْتَازُ عَنِ الصَّغَائِرِ بِحَسَبِ ذَوَاتِهَا وَأَنْفُسِهَا.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: الْكَبَائِرُ تَمْتَازُ عَنِ الصَّغَائِرِ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ أَحْوَالِ فَاعِلِيهَا، فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ لِكُلِّ طَاعَةٍ قَدْرًا مِنَ الثَّوَابِ، وَلِكُلِّ مَعْصِيَةٍ قَدْرًا مِنَ الْعِقَابِ، فَإِذَا أَتَى الْإِنْسَانُ بِطَاعَةٍ واستحق

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 60
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست