responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 50
اللَّه لَا يَنْظُرُ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ.
رُوِيَ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ: الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالْأَنْوَاءِ، وَلَا يَدَعُهَا النَّاسُ فِي الْإِسْلَامِ»
وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَضَعُونَ مِنِ ابْنِ الْهَجِينِ، فَذَكَرَ تَعَالَى هَذِهِ الْكَلِمَةَ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى شَرَحَ كَيْفِيَّةَ هَذَا النِّكَاحِ فَقَالَ: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِدُونِ إِذْنِ سَيِّدِهَا بَاطِلٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْقِيَاسُ. أَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ هَذِهِ الْآيَةُ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ يَقْتَضِي كَوْنَ الْإِذْنِ شَرْطًا فِي جَوَازِ النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النِّكَاحُ وَاجِبًا. وَهُوَ
كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»
فَالسَّلَمُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَكِنَّهُ إِذَا اخْتَارَ أَنْ يُسْلِمَ فَعَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ هَذِهِ الشَّرَائِطِ، كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، لَكِنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً، وَجَبَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا. وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَهُوَ أَنَّ الْأَمَةَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، وَبَعْدَ التَّزَوُّجِ يَبْطُلُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَنَافِعِهَا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْأَمَةِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ بِالْحَدِيثِ
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ فَهُوَ عَاهِرٌ» .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: الْمَرْأَةُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا إِلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: يَصِحُّ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ عَائِدٌ إِلَى الْإِمَاءِ، وَالْأَمَةُ ذَاتٌ مَوْصُوفَةٌ بِصِفَةِ الرِّقِّ، وَصِفَةُ الرِّقِّ صِفَةٌ زَائِلَةٌ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَةٍ زَائِلَةٍ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِشَارَةَ إِلَى تِلْكَ الصِّفَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ مَعَ هَذَا الشَّابِّ فَصَارَ شَيْخًا ثُمَّ تَكَلَّمَ مَعَهُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَةٍ عَرَضِيَّةٍ زَائِلَةٍ، بَاقِيَةٌ بَعْدَ زَوَالِ تِلْكَ الصِّفَةِ الْعَرَضِيَّةِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِمَاءِ، فَهَذِهِ الْإِشَارَةُ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً حَالَ زَوَالِ الرِّقِّ عَنْهُنَّ، وَحُصُولِ صِفَةِ الْحُرِّيَّةِ لَهُنَّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَتَوَقَّفُ جَوَازُ نِكَاحِهَا عَلَى إِذْنِ وَلِيِّهَا، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَجَبَ ثُبُوتُ هَذَا الْحُكْمِ فِي سَائِرِ الصُّوَرِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ. احْتَجَّ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ/ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا عِبَارَةَ لِلْمَرْأَةِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُزَوِّجَ أمتها، بل مذهبه أن توكل غيرها بتزوج أَمَتِهَا. قَالَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ تُبْطِلُ ذَلِكَ، لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِحُصُولِ إِذْنِ أَهْلِهَا، فَمَنْ قَالَ لَا يَكْفِي ذَلِكَ كَانَ تَارِكًا لِظَاهِرِ الْآيَةِ.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِذْنِ الرِّضَا. وَعِنْدَنَا أَنَّ رِضَا الْمَوْلَى لَا بُدَّ مِنْهُ، فَأَمَّا أَنَّهُ كَافٍ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَثَانِيهَا: أَنَّ أَهْلَهُنَّ عِبَارَةٌ عَمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى نِكَاحِهِنَّ، وَذَلِكَ إِمَّا الْمَوْلَى إِنْ كَانَ رَجُلًا، أَوْ وَلِيُّ مَوْلَاهَا إِنْ كَانَ مَوْلَاهَا امْرَأَةً. وَثَالِثُهَا: هَبْ أَنَّ الْأَهْلَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَوْلَى، لَكِنَّهُ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، وَالدَّلَائِلُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُنْكِحُ نَفْسَهَا خَاصَّةٌ
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْعَاهِرُ هِيَ الَّتِي تُنْكِحُ نفسها»
فثبت بهذا الحديث أنه عِبَارَةَ لَهَا فِي نِكَاحِ نَفْسِهَا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا عِبَارَةٌ فِي نِكَاحِ مَمْلُوكَتِهَا، ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ واللَّه أَعْلَمُ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 50
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست