responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 23
بَعْضٍ، فَصَارَتِ الْآيَةُ مُجْمَلَةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ تَقْدِيمَ قوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ [النساء: 22] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ تَحْرِيمُ نِكَاحِهِنَّ. الثَّانِي: أَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ تَحْرِيمُ نِكَاحِهِنَّ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْحُرْمَةَ وَالْإِبَاحَةَ إِذَا أُضِيفَتَا إِلَى الْأَعْيَانِ، فَالْمُرَادُ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ مِنْهَا فِي الْعُرْفِ، فَإِذَا قِيلَ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ، فَهِمَ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ الْمُرَادَ تَحْرِيمُ أَكْلِهِمَا، وَإِذَا قِيلَ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ، فَهِمَ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ الْمُرَادَ تَحْرِيمُ نِكَاحِهِنَّ، وَلَمَّا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا لِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ»
فَهِمَ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَحِلُّ إِرَاقَةُ دَمِهِ. وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مَعْلُومَةً بِالضَّرُورَةِ كَانَ إِلْقَاءُ الشُّبُهَاتِ فِيهَا جَارِيًا مَجْرَى الْقَدْحِ فِي الْبَدِيهِيَّاتِ وَشِبْهِ السُّوفِسْطَائِيَّةِ، فَكَانَتْ فِي غَايَةِ الرَّكَاكَةِ واللَّه أَعْلَمُ.
بَلَى عِنْدِي فِيهِ بَحْثٌ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى: أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ مَذْكُورٌ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ فَاعِلَ هذا التَّحْرِيمِ هُوَ اللَّه تَعَالَى، وَمَا لَمْ يُثْبَتْ ذَلِكَ لَمْ تُفِدِ الْآيَةُ شَيْئًا آخَرَ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا بِالْإِجْمَاعِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ وَحْدَهَا لَا تُفِيدُ شَيْئًا، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ، وَثَانِيهَا: أَنَّ قَوْلَهُ:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ لَيْسَ نَصًّا فِي ثُبُوتِ التحريم على سبيل التأييد، فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ يُمْكِنُ تَقْسِيمُهُ إِلَى الْمُؤَبَّدِ، وَإِلَى الْمُؤَقَّتِ، كَأَنَّهُ تَعَالَى تَارَةً قَالَ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ إِلَى الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ فَقَطْ، وَأُخْرَى:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ مُؤَبَّدًا مُخَلَّدًا، وَإِذَا كَانَ الْقَدْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ صَالِحًا لِأَنْ يُجْعَلَ مَوْرِدًا لِلتَّقْسِيمِ بِهَذَيْنِ القسمين، لم يكن نصا في التأييد، فاذن هذا التأييد لَا يُسْتَفَادُ مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ، بَلْ مِنْ دَلَالَةٍ مُنْفَصِلَةٍ، وَثَالِثُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ خِطَابُ مُشَافَهَةٍ فَيُخَصَّصُ بِأُولَئِكَ الْحَاضِرِينَ، فَإِثْبَاتُ هَذَا التَّحْرِيمِ فِي حَقِّ الْكُلِّ إِنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ دَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، وَرَابِعُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ إِخْبَارٌ عَنْ ثُبُوتِ هَذَا/ التَّحْرِيمِ فِي الْمَاضِي، وَظَاهِرُ اللَّفْظِ غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ لِلْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ/ فَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، وَخَامِسُهَا: أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ حَرَّمَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ جَمِيعَ أُمَّهَاتِهِمْ وَجَمِيعَ بَنَاتِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ تَعَالَى قَابَلَ الْجَمْعَ بِالْجَمْعِ، فَيَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أُمَّهُ خَاصَّةً، وَبِنْتَهُ خَاصَّةً، وَهَذَا فِيهِ نَوْعُ عُدُولٍ عَنِ الظَّاهِرِ، وَسَادِسُهَا:
أَنَّ قَوْلَهُ: حُرِّمَتْ يُشْعِرُ ظَاهِرُهُ بِسَبْقِ الْحِلِّ، إِذْ لَوْ كَانَ أَبَدًا مَوْصُوفًا بِالْحُرْمَةِ لَكَانَ قَوْلُهُ: حُرِّمَتْ تَحْرِيمًا لِمَا هُوَ فِي نَفْسِهِ حَرَامٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ إِيجَادَ الْمَوْجُودِ وَهُوَ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ لَيْسَ تَجْدِيدَ التَّحْرِيمِ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ، بَلِ الْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ حُصُولِ التَّحْرِيمِ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ وَحْدَهُ غَيْرُ كَافٍ فِي إِثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ حُرْمَةَ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ كَانَتْ ثَابِتَةً مِنْ زَمَنِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى هَذَا الزَّمَانِ، وَلَمْ يَثْبُتْ حِلُّ نِكَاحِهِنَّ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَدْيَانِ الْإِلَهِيَّةِ، بَلْ إِنَّ زِرَادِشْتَ رَسُولَ الْمَجُوسِ قَالَ بِحِلِّهِ، إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَذَّابًا. أَمَّا نِكَاحُ الْأَخَوَاتِ فَقَدْ نُقِلَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا فِي زَمَنِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِنَّمَا حَكَمَ اللَّه بِإِبَاحَةِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الضَّرُورَةِ، وَرَأَيْتُ بَعْضَ الْمَشَايِخِ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى كَانَ يَبْعَثُ الْحَوَارِيَ مِنَ الْجَنَّةِ لِيُزَوَّجَ بِهِنَّ أَبْنَاءُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهَذَا بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ زَوْجَاتُ أَبْنَائِهِ وَأَزْوَاجُ بَنَاتِهِ مِنْ أَهْلِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 23
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست