responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 167
عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً
ثُمَّ بَالَغَ فِي تَأْكِيدِ ذَلِكَ الْوَعِيدِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ التَّوْحِيدَ وَالْعَدْلَ مُتَلَازِمَانِ، فَقَوْلُهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَقَوْلُهُ: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِشَارَةٌ إِلَى الْعَدْلِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ [آلِ عِمْرَانَ: 18] وَكَقَوْلِهِ فِي طه: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه: 14] وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّوْحِيدِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى [طه: 15] وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْعَدْلِ، فَكَذَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَّنَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي حُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ أَنْ يَجْمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي عَرَصَةِ الْقِيَامَةِ فَيَنْتَصِفَ لِلْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ. الثَّانِي: كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكُمْ وَحَيَّاكُمْ فَاقْبَلُوا سَلَامَهُ وَأَكْرِمُوهُ وَعَامِلُوهُ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ، فَإِنَّ الْبَوَاطِنَ إِنَّمَا يَعْرِفُهَا اللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّمَا تَنْكَشِفُ بَوَاطِنُ الْخَلْقِ لِلْخَلْقِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قَوْلُهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِمَّا خَبَرٌ للمبتدأ، وإما اعتراض والخبر لَيَجْمَعَنَّكُمْ واللام لا من الْقَسَمِ، وَالتَّقْدِيرُ: واللَّه لَيَجْمَعَنَّكُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ لَمْ يَقُلْ: لَيَجْمَعَنَّكُمْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ لَيَجْمَعَنَّكُمْ فِي الْمَوْتِ أَوِ الْقُبُورِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. الثَّانِي: التَّقْدِيرُ:
لَيَضُمَّنَّكُمْ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَجْمَعُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ بِأَنْ يَجْمَعَكُمْ فِيهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ سُمِّيَتِ الْقِيَامَةُ قِيَامَةً لِأَنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: سُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ لِلْحِسَابِ قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [الْمُطَفِّفِينَ: 6] قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْقِيَامُ الْقِيَامَةُ، كَالطِّلَابِ وَالطِّلَابَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ أَنَّ الْقِيَامَةَ سَتُوجَدُ لَا مَحَالَةَ، وَجَعَلَ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ مُجَرَّدَ إِخْبَارِ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، وَهَذَا حَقٌّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الْأُصُولِيَّةَ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا الْعِلْمُ بِصِحَّةِ النُّبُوَّةِ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى الْعِلْمِ بِصِحَّتِهِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. وَالْأَوَّلُ مِثْلُ عِلْمِنَا بِافْتِقَارِ الْعَالَمِ إِلَى صَانِعٍ عَالِمٍ بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ قَادِرٍ عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ، فَإِنَّا مَا لَمْ نَعْلَمْ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُنَا الْعِلْمُ بِصِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ، فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ هَذَا شَأْنُهَا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُهَا بِالْقُرْآنِ وَإِخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِلَّا وَقَعَ الدَّوْرُ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ جُمْلَةُ الْمَسَائِلَ الَّتِي لَا يَتَوَقَّفُ الْعِلْمُ بِصِحَّةِ النُّبُوَّةِ عَلَى الْعِلْمِ بِصِحَّتِهَا فَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ بِكَلَامِ اللَّه وَإِخْبَارِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ قِيَامَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، فَلَا جَرَمَ أَمْكَنَ إِثْبَاتُهُ بِالْقُرْآنِ وَبِكَلَامِ اللَّه، فَثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى قِيَامِ الْقِيَامَةِ بِإِخْبَارِ اللَّه عَنْهُ اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً اسْتِفْهَامٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُهُ تَعَالَى صَادِقًا وَأَنَّ الْكَذِبَ وَالْخُلْفَ فِي قَوْلِهِ مُحَالٌ. وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَدْ بَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِكَوْنِ الْكَذِبِ قَبِيحًا، وَعَالَمٌ بِكَوْنِهِ غَنِيًّا عَنْهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ اسْتَحَالَ أَنْ يَكْذِبَ. إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ عَالِمٌ بِقُبْحِ الْكَذِبِ، وَعَالِمٌ بِكَوْنِهِ غَنِيًّا عَنْهُ لِأَنَّ الْكَذِبَ قَبِيحٌ لِكَوْنِهِ كَذِبًا، واللَّه تَعَالَى غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى شَيْءٍ أَصْلًا، وَثَبَتَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ عَالِمًا بِهَذَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَأَمَّا أن كل من كان كذلك استحال

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 167
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست