responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 156
وَقَالَ قَوْمٌ: رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوُجُوهَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْآيَةَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْإِخْبَارِ عَنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ، وَيَصِحُّ صَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُحْتَمَلٌ.
أَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: فَالتَّقْدِيرُ: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ إِلَّا قَلِيلًا، فَأَخْرَجَ تَعَالَى بَعْضَ المنافقين عن هذه الْإِذَاعَةِ كَمَا أَخْرَجَهُمْ فِي قَوْلِهِ: بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ [النساء: 81] .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الِاسْتِثْنَاءُ عَائِدٌ إِلَى قَوْلِهِ: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ يَعْنِي لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلَ: قَالَ الْفَرَّاءُ وَالْمُبَرِّدُ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ مَا يُعْلَمُ بِالِاسْتِنْبَاطِ فَالْأَقَلُّ يَعْلَمُهُ، وَالْأَكْثَرُ يَجْهَلُهُ، وَصَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى مَا ذكره يَقْتَضِي ضِدَّ ذَلِكَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ شَيْئًا يَسْتَخْرِجُهُ بِنَظَرٍ دَقِيقٍ وَفِكْرٍ غَامِضٍ، إِنَّمَا هُوَ اسْتِنْبَاطُ خَبَرٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَكْثَرُونَ يَعْرِفُونَهُ، إِنَّمَا الْبَالِغُ فِي الْبَلَادَةِ وَالْجَهَالَةِ هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: كَلَامُ الزَّجَّاجِ إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ حَمَلْنَا الِاسْتِنْبَاطَ عَلَى مُجَرَّدِ تَعَرُّفِ الْأَخْبَارِ وَالْأَرَاجِيفِ، أَمَّا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الِاسْتِنْبَاطِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ كَمَا صَحَّحْنَا ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ كَانَ الْحَقُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ وَالْمُبَرِّدُ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ صَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى مَا يَلِيهِ وَيَتَّصِلُ بِهِ أَوْلَى مِنْ صَرْفِهِ إِلَى الشَّيْءِ الْبَعِيدِ عَنْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَتَمَشَّى إِلَّا إِذَا فَسَّرْنَا الْفَضْلَ وَالرَّحْمَةَ بِشَيْءٍ خَاصٍّ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، أَنَّ الْمُرَادَ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ وَبِعْثَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّقْدِيرُ:
وَلَوْلَا بِعْثَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم وإنزال القرآن لا تبعتم الشَّيْطَانَ وَكَفَرْتُمْ باللَّه إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْقَلِيلَ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَمِ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ مَا كَانَ يَتَّبِعُ الشَّيْطَانَ، وَمَا كَانَ يَكْفُرُ باللَّه، وَهُمْ مِثْلُ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ وَوَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ باللَّه قَبْلَ بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُسْلِمٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ نُصْرَتُهُ تَعَالَى وَمَعُونَتُهُ اللَّذَانِ عَنَاهُمَا الْمُنَافِقُونَ بِقَوْلِهِمْ: فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً [النِّسَاءِ: 73] فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْلَا حُصُولُ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ عَلَى سَبِيلِ التَّتَابُعِ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ وَتَرَكْتُمُ الدِّينَ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْكُمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْبَصَائِرِ النَّاقِدَةِ وَالنِّيَّاتِ الْقَوِيَّةِ وَالْعَزَائِمِ الْمُتَمَكِّنَةِ مِنْ أَفَاضِلِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ حَقًّا حُصُولُ الدَّوْلَةِ فِي الدُّنْيَا، فَلِأَجْلِ تَوَاتُرِ الْفَتْحِ وَالظَّفَرِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ حَقًّا، وَلِأَجْلِ تَوَاتُرِ الِانْهِزَامِ وَالِانْكِسَارِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ بَاطِلًا، بَلِ الْأَمْرُ فِي كَوْنِهِ حَقًّا وَبَاطِلًا عَلَى الدَّلِيلِ، وَهَذَا أَصَحُّ الْوُجُوهِ وَأَقْرَبُهَا إِلَى التَّحْقِيقِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الشَّيْطَانَ فَقَدْ مَنَعَهُمُ اللَّه فَضْلَهُ وَرَحْمَتَهُ، وَإِلَّا مَا كَانَ يُتَّبَعُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّه رِعَايَةُ الْأَصْلَحِ فِي الدِّينِ. أَجَابَ الْكَعْبِيُّ عَنْهُ بِأَنَّ فَضْلَ اللَّه وَرَحْمَتَهُ عَامَّانِ فِي حَقِّ الْكُلِّ، لَكِنَّ الْمُؤْمِنِينَ انْتَفَعُوا بِهِ، وَالْكَافِرِينَ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ، فَصَحَّ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لِلْكَافِرِ مِنَ اللَّه فَضْلٌ وَرَحْمَةٌ فِي الدِّينِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 156
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست