responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 15
طَعْنٌ فِي ذَاتِهَا وَأَخْذٌ لِمَالِهَا، فَهُوَ بُهْتَانٌ مِنْ وَجْهٍ وَظُلْمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَكَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً مِنْ أُمَّهَاتِ الْكَبَائِرِ، الْخَامِسُ: أَنَّ عِقَابَ الْبُهْتَانِ وَالْإِثْمِ الْمُبِينِ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ فَقَوْلُهُ: أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً مَعْنَاهُ أَتَأْخَذُونَ عِقَابَ الْبُهْتَانِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النِّسَاءِ: 10] .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: أَتَأْخُذُونَهُ اسْتِفْهَامٌ عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ وَالْإِعْظَامِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّكُمْ لَا تَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ مَعَ ظُهُورِ قبحه في الشرع والعقل.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي عِلَّةِ هَذَا المنع أمورا: أحدهما: أَنَّ هَذَا الْأَخْذَ يَتَضَمَّنُ نِسْبَتَهَا إِلَى الْفَاحِشَةِ الْمُبَيِّنَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ بُهْتَانًا وَالْبُهْتَانُ مِنْ أُمَّهَاتِ الْكَبَائِرِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ إِثْمٌ مُبِينٌ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ حَقُّهَا فَمَنْ ضَيَّقَ الْأَمْرَ عَلَيْهَا لِيَتَوَسَّلَ بِذَلِكَ التَّشْدِيدِ وَالتَّضْيِيقِ وَهُوَ ظُلْمٌ، إِلَى أَخْذِ الْمَالِ وَهُوَ ظُلْمٌ آخَرُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ التَّوَسُّلَ بِظُلْمٍ إِلَى ظُلْمٍ آخَرَ يَكُونُ إِثْمًا مُبِينًا. وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَصْلُ أَفْضَى مِنَ الْفَضَاءِ الَّذِي هُوَ السعة يقال: فضا يفضو وَفَضَاءً إِذَا اتَّسَعَ، قَالَ اللَّيْثُ:
أَفْضَى فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، أَيْ وَصَلَ إِلَيْهِ، وَأَصْلُهُ أَنَّهُ صَارَ فِي فُرْجَتِهِ وَفَضَائِهِ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي الْإِفْضَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِفْضَاءَ هاهنا كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ وَاخْتِيَارُ الزَّجَّاجِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ عِنْدَهُ الزَّوْجَ إِذَا طَلَّقَ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ، وَإِنْ خَلَا بِهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِي الْإِفْضَاءِ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُجَامِعْهَا، قَالَ الْكَلْبِيُّ: الْإِفْضَاءُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، جَامَعَهَا أَوْ لَمْ يُجَامِعْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. لِأَنَّ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ تُقَرِّرُ الْمَهْرَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَوْلَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّيْثَ قَالَ: أَفْضَى فُلَانٌ إِلَى فُلَانَةَ/ أَيْ صَارَ فِي فُرْجَتِهَا وَفَضَائِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى إِنَّمَا يَحْصُلُ فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْجِمَاعِ، أَمَّا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْجِمَاعِ فَهَذَا غَيْرُ حَاصِلٍ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَذَا فِي مَعْرِضِ التَّعَجُّبِ، فَقَالَ: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَالتَّعَجُّبُ إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا كَانَ هَذَا الْإِفْضَاءُ سَبَبًا قَوِيًّا فِي حُصُولِ الْأُلْفَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَهُوَ الْجِمَاعُ لَا مُجَرَّدُ الْخَلْوَةِ، فَوَجَبَ حَمْلُ الْإِفْضَاءِ عَلَيْهِ. الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ الْإِفْضَاءَ إِلَيْهَا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُفَسَّرًا بِفِعْلٍ مِنْهُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ «إِلَى» لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، وَمُجَرَّدُ الْخَلْوَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ عِنْدَ الْخَلْوَةِ الْمَحْضَةِ لَمْ يَصِلْ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ، فَامْتَنَعَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا اضْطَجَعَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ وَتَلَامَسَا فَقَدْ حَصَلَ الْإِفْضَاءُ مِنْ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَافِيًا. وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ.
قُلْنَا: الْقَائِلُ قَائِلَانِ، قَائِلٌ يَقُولُ: الْمَهْرُ لَا يَتَقَرَّرُ إِلَّا بِالْجِمَاعِ، وَآخَرُ: إِنَّهُ يَتَقَرَّرُ بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ وَلَيْسَ فِي الْأُمَّةِ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ يَتَقَرَّرُ بِالْمُلَامَسَةِ وَالْمُضَاجَعَةِ، فَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ بَاطِلًا بِالْإِجْمَاعِ، فَلَمْ يَبْقَ فِي تَفْسِيرِ إِفْضَاءِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ إِلَّا أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا الْجِمَاعُ، وَإِمَّا الْخَلْوَةُ، وَالْقَوْلُ بِالْخَلْوَةِ بَاطِلٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ، فَبَقِيَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِفْضَاءِ هُوَ الْجِمَاعُ. الرَّابِعُ: أَنَّ الْمَهْرَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ مَا كَانَ مُتَقَرِّرًا، وَالشَّرْعُ قَدْ عَلَّقَ تَقَرُّرَهُ عَلَى إِفْضَاءِ الْبَعْضِ إِلَى الْبَعْضِ، وَقَدِ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْإِفْضَاءِ، هُوَ الْخَلْوَةُ أَوِ الْجِمَاعُ، وَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ وَجَبَ بَقَاءُ مَا كَانَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 15
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست