responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 134
الثَّانِي: قَالَ قَوْمٌ: الصِّدِّيقُونَ أَفَاضِلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. الثَّالِثُ: أَنَّ الصِّدِّيقَ اسْمٌ لِمَنْ سَبَقَ إِلَى تَصْدِيقِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَصَارَ فِي ذَلِكَ قُدْوَةً لِسَائِرِ النَّاسِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أَوْلَى الْخَلْقِ بِهَذَا الْوَصْفِ أَمَّا بَيَانُ أَنَّهُ سَبَقَ إِلَى تَصْدِيقِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلِأَنَّهُ قَدِ اشْتَهَرَتِ الرِّوَايَةُ
عَنِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «مَا عَرَضْتُ الْإِسْلَامَ عَلَى أَحَدٍ إلا وله كبوة غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَلَعْثَمْ»
دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى أَبِي بَكْرِ قَبِلَهُ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ، فَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ إِسْلَامَهُ تَأَخَّرَ عَنْ إِسْلَامِ غَيْرِهِ لَزِمَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَّرَ حَيْثُ أَخَّرَ عَرْضَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ قَدْحًا فِي أَبِي بَكْرٍ، بَلْ يَكُونُ قَدْحًا فِي الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ كُفْرٌ، وَلَمَّا بَطَلَ نِسْبَةُ هَذَا التَّقْصِيرِ إِلَى الرَّسُولِ عَلِمْنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَصَّرَ فِي عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَتَوَقَّفِ الْبَتَّةَ، فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أَسْبَقُ النَّاسِ إِسْلَامًا، أَمَّا بَيَانُ أَنَّهُ كَانَ قُدْوَةً لِسَائِرِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَلِأَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ إِسْلَامَ عَلِيٍّ كَانَ سَابِقًا عَلَى إِسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَشُكُّ عَاقِلٌ أَنَّ عَلِيًّا مَا صَارَ قُدْوَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَبِيًّا صَغِيرًا، وَكَانَ أَيْضًا فِي تَرْبِيَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَانَ شَدِيدَ الْقُرْبِ مِنْهُ بِالْقَرَابَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ شَدِيدَ الْقُرْبِ مِنْهُ بِالْقَرَابَةِ وَإِيمَانُ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ يَكُونُ سَبَبًا لِرَغْبَةِ سَائِرَ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا آمَنَ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ قَلِيلَةٍ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ حَتَّى أَسْلَمُوا، فَكَانَ إِسْلَامُهُ/ سَبَبًا لِاقْتِدَاءِ هَؤُلَاءِ الْأَكَابِرِ بِهِ، فَثَبَتَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ رِضْوَانُ اللَّه عَلَيْهِ كَانَ أَسْبَقَ النَّاسِ إِسْلَامًا، وَثَبَتَ أَنَّ إِسْلَامَهُ صَارَ سَبَبًا لِاقْتِدَاءِ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ الْإِسْلَامِ، فَثَبَتَ أَنَّ أَحَقَّ الْأُمَّةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ الْخَلْقِ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ إِسْلَامَهُ لَمَّا كَانَ أَسْبَقَ مِنْ غَيْرِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُهُ أَكْثَرَ،
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
الثَّانِي: أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ جَاهَدَ فِي اللَّه وَصَارَ جِهَادُهُ مُفْضِيًا إِلَى حُصُولِ الْإِسْلَامِ لِأَكَابِرِ الصَّحَابَةِ مِثْلِ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ، وَجَاهَدَ عَلِيٌّ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ الْأَحْزَابِ فِي قَتْلِ الْكُفَّارِ، وَلَكِنَّ جِهَادَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَفْضَى إِلَى حُصُولِ الْإِسْلَامِ لِمِثْلِ الَّذِينَ هُمْ أَعْيَانُ الصَّحَابَةِ، وَجِهَادُ عَلِيٍّ أَفْضَى إِلَى قَتْلِ الْكُفَّارِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ، وَأَيْضًا فَأَبُو بَكْرٍ جَاهَدَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، وَعَلِيٌّ إِنَّمَا جَاهَدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَوِيًّا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجِهَادَ وَقْتَ الضَّعْفِ أَفْضَلُ مِنَ الْجِهَادِ وَقْتَ الْقُوَّةِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا
[الْحَدِيدِ:
10] فَبَيَّنَ أَنَّ نُصْرَةَ الْإِسْلَامِ وَقْتَ مَا كَانَ ضَعِيفًا أَعْظَمُ ثَوَابًا مِنْ نُصْرَتِهِ وَقْتَ مَا كَانَ قَوِيًّا، فَثَبَتَ من مجموع ما ذكرناه أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِهَذَا الْوَصْفِ هُوَ الصِّدِّيقُ، فَلِهَذَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَسْلِيمِ هَذَا اللَّقَبِ لَهُ إِلَّا مَنْ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنْكِرُهُ، وَدَلَّ تَفْسِيرُ الصِّدِّيقِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَا مَرْتَبَةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ فِي الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ إِلَّا هَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ كَوْنُ الْإِنْسَانِ صِدِّيقًا، وَكَمَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ فَقَدْ دَلَّ لَفْظُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَيْنَمَا ذَكَرَ الصِّدِّيقَ وَالنَّبِيَّ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً، فَقَالَ فِي وَصْفِ إِسْمَاعِيلَ: إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ [مَرْيَمَ: 54] وَفِي صِفَةِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا [مَرْيَمَ: 56] وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ يعني انك إن

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 134
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست