responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 131
ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى كَلَّفَهُمْ، فَكُلُّ مَا تَجْعَلُهُ جَوَابًا عَنْ هَذَا فَهُوَ جَوَابُنَا عَمَّا ذَكَرْتَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً.
اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ أَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا مَا كُلِّفُوا بِهِ وَأُمِرُوا بِهِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا التَّكْلِيفُ وَالْأَمْرُ وَعْظًا، لَأَنَّ تَكَالِيفَ اللَّه تَعَالَى مَقْرُونَةٌ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسَمَّى وَعْظًا، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُمْ لَوِ الْتَزَمُوا هَذِهِ التَّكَالِيفَ لَحَصَلَتْ لَهُمْ أَنْوَاعٌ مِنَ الْمَنَافِعِ.
فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: لَكانَ خَيْراً لَهُمْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُبَالَغَةُ وَالتَّرْجِيحُ، وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُمْ وَأَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ قَوْلَنَا: «خَيْرٌ» يُسْتَعْمَلُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.
النَّوْعُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إِلَى ثَبَاتِهِمْ عَلَيْهِ وَاسْتِمْرَارِهِمْ، لِأَنَّ الطَّاعَةَ تَدْعُو إِلَى أَمْثَالِهَا، وَالْوَاقِعُ مِنْهَا فِي وَقْتٍ يَدْعُو إِلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَثْبَتَ وَأَبْقَى لِأَنَّهُ حَقٌّ وَالْحَقُّ ثَابِتٌ بَاقٍ، وَالْبَاطِلُ زَائِلٌ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ يَطْلُبُ أَوَّلًا تَحْصِيلَ الْخَيْرِ، فَإِذَا حَصَّلَهُ فَإِنَّهُ يَطْلُبُ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ الْحَاصِلُ بَاقِيًا ثَابِتًا، فَقَوْلُهُ: لَكانَ خَيْراً لَهُمْ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَالَةِ الْأُولَى، وَقَوْلُهُ: وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً إِشَارَةٌ إِلَى الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْإِخْلَاصَ فِي الْإِيمَانِ خَيْرٌ مِمَّا يُرِيدُونَهُ مِنَ النِّفَاقِ وَأَكْثَرُ ثَبَاتًا وَبَقَاءً، بَيَّنَ أَنَّهُ كَمَا أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ خَيْرٌ فَهُوَ أَيْضًا مُسْتَعْقِبُ الْخَيِّرَاتِ الْعَظِيمَةِ وَهُوَ الْأَجْرُ الْعَظِيمُ وَالثَّوَابُ الْعَظِيمُ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَ «إِذًا» جَوَابٌ لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مَاذَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْخَيْرِ وَالتَّثْبِيتِ. فَقِيلَ: هُوَ أَنْ نُؤْتِيَهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا، كَقَوْلِهِ: وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النِّسَاءِ: 40] .
وَأَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَرَائِنَ كَثِيرَةً، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَدُلُّ عَلَى عِظَمِ هَذَا الْأَجْرِ. أَحَدُهَا:
أَنَّهُ ذَكَرَ نَفْسَهُ بصيغة العظمة وهي قوله: لَآتَيْناهُمْ وَقَوْلُهُ: مِنْ لَدُنَّا وَالْمُعْطِي الْحَكِيمُ إِذَا ذَكَرَ نَفْسَهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى عَظَمَةٍ عِنْدَ الْوَعْدِ بِالْعَطِيَّةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَظَمَةِ تِلْكَ الْعَطِيَّةِ، وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: مِنْ لَدُنَّا وَهَذَا التَّخْصِيصُ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الْكَهْفِ: 65] وَثَالِثُهَا: أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَصَفَ هَذَا الْأَجْرَ بِالْعَظِيمِ، وَالشَّيْءُ الَّذِي وَصَفَهُ أَعْظَمُ الْعُظَمَاءِ بِالْعَظَمَةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِي نِهَايَةِ الْجَلَالَةِ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ عَظِيمًا،
وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» .
النَّوْعُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ الدِّينُ الْحَقُّ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ [الشُّورَى: 52، 53] وَالثَّانِي: أَنَّهُ الصِّرَاطُ الَّذِي هُوَ الطَّرِيقُ مِنْ عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ، وَالدِّينُ الْحَقُّ مقدم

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 131
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست