responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 123
أتوا بجناية خافوا بسببها منك، ثم جاؤك شَاءُوا أَمْ أَبَوْا وَيَحْلِفُونَ باللَّه عَلَى سَبِيلِ الْكَذِبِ: أَنَّا مَا أَرَدْنَا بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ إِلَّا الْخَيْرَ وَالْمَصْلَحَةَ، وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بَيَانُ أَنَّ مَا فِي قَلْبِهِمْ مِنَ النُّفْرَةِ عَنِ الرَّسُولِ لَا غَايَةَ لَهُ، سَوَاءٌ غَابُوا أَمْ حَضَرُوا، وَسَوَاءٌ بَعُدُوا أَمْ قَرُبُوا، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَكَدَّ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي شَيْءٍ قَالَ: هَذَا شَيْءٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّه، يَعْنِي أَنَّهُ لِكَثْرَتِهِ وَقُوَّتِهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى مَعْرِفَتِهِ إِلَّا اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ لَمَّا عَرَفَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شِدَّةَ بُغْضِهِمْ وَنِهَايَةَ عَدَاوَتِهِمْ وَنُفْرَتِهِمْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ كَيْفَ يُعَامِلُهُمْ فَقَالَ: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً وَهَذَا الْكَلَامُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ مُنْتَظِمٌ حَسَنُ الِاتِّسَاقِ لَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَذْفِ وَالْإِضْمَارِ، وَمَنْ طَالَعَ كُتُبَ التَّفْسِيرِ عَلِمَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ كَيْفَ اضْطَرَبُوا فِيهِ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ قَتْلُ عُمَرَ صَاحِبَهُمُ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِحُكْمِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَهُمْ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَطَالَبُوا عُمَرَ بِدَمِهِ وَحَلَفُوا أَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا بِالذَّهَابِ إِلَى غَيْرِ الرَّسُولِ إِلَّا الْمَصْلَحَةَ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الزَّجَّاجِ. الثَّانِي: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ مَا أَمَرَ اللَّه تَعَالَى الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَصْحِبُهُمْ فِي الْغَزَوَاتِ، وَأَنَّهُ يَخُصُّهُمْ بِمَزِيدِ الْإِذْلَالِ وَالطَّرْدِ عَنْ حَضْرَتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ/ ثُمَّ لَا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الْأَحْزَابِ: 60- 61] وَقَوْلُهُ: فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً [التَّوْبَةِ: 83] وَبِالْجُمْلَةِ فَأَمْثَالُ هَذِهِ الْآيَاتِ تُوجِبُ لَهُمُ الذُّلَّ الْعَظِيمَ، فَكَانَتْ مَعْدُودَةً فِي مَصَائِبِهِمْ، وَإِنَّمَا يُصِيبُهُمْ ذَلِكَ لِأَجْلِ، نِفَاقِهِمْ، وعني بقوله: ثُمَّ جاؤُكَ أَيْ وَقْتَ الْمُصِيبَةِ يَحْلِفُونَ وَيَعْتَذِرُونَ أَنَّا مَا أَرَدْنَا بِمَا كَانَ مِنَّا مِنْ مُدَارَاةِ الْكُفَّارِ الا الصلاح، وكانوا في ذلك كاذبين لا نهم أَضْمَرُوا خِلَافَ مَا أَظْهَرُوهُ، وَلَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ الْإِحْسَانَ الَّذِي هُوَ الصَّلَاحُ. الثَّالِثُ:
قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ رَغِبُوا فِي حُكْمِ الطَّاغُوتِ وَكَرِهُوا حُكْمَ الرَّسُولِ، بَشَّرَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَتُصِيبُهُمْ مَصَائِبُ تُلْجِئُهُمْ إِلَيْهِ، وَإِلَى أَنْ يُظْهِرُوا لَهُ الْإِيمَانَ بِهِ وَإِلَى أَنْ يَحْلِفُوا بِأَنَّ مُرَادَهُمُ الْإِحْسَانُ وَالتَّوْفِيقُ. قَالَ: وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ عِنْدَ التَّبْشِيرِ وَالْإِنْذَارِ أَنْ يَقُولُوا: كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [النِّسَاءِ: 41] وَقَوْلُهُ: فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ [آلِ عِمْرَانَ: 25] ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى إِذَا كَانَ مِنْهُمْ ذَلِكَ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ وَيَعِظَهُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي تَفْسِيرِ الْإِحْسَانِ وَالتَّوْفِيقِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: مَعْنَاهُ مَا أَرَدْنَا بِالتَّحَاكُمِ إِلَى غَيْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْإِحْسَانَ إِلَى خُصُومِنَا وَاسْتِدَامَةَ الِاتِّفَاقِ وَالِائْتِلَافِ فِيمَا بَيْنَنَا، وَإِنَّمَا كَانَ التَّحَاكُمُ إِلَى غَيْرِ الرَّسُولِ إِحْسَانًا إِلَى الْخُصُومِ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عِنْدَ الرَّسُولِ لَمَا قَدَرُوا عَلَى رَفْعِ صَوْتٍ عِنْدَ تَقْرِيرِ كَلَامِهِمْ، وَلَمَّا قَدَرُوا عَلَى التَّمَرُّدِ مِنْ حُكْمِهِ، فَإِذَنْ كَانَ التَّحَاكُمُ إِلَى غَيْرِ الرَّسُولِ إِحْسَانًا إِلَى الْخُصُومِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مَا أَرَدْنَا بِالتَّحَاكُمِ إِلَى عُمَرَ إِلَّا أَنَّهُ يُحْسِنُ إِلَى صَاحِبِنَا بِالْحُكْمِ الْعَدْلِ وَالتَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، وَمَا خَطَرَ بِبَالِنَا أَنَّهُ يَحْكُمُ بِمَا حَكَمَ بِهِ الرَّسُولُ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مَا أَرَدْنَا بِالتَّحَاكُمِ إِلَى غَيْرِكَ يَا رَسُولَ اللَّه إِلَّا أَنَّكَ لَا تَحْكُمُ إِلَّا بِالْحَقِّ الْمُرِّ، وَغَيْرُكَ يَدُورُ عَلَى التَّوَسُّطِ وَيَأْمُرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْآخَرِ، وَتَقْرِيبِ مُرَادِهِ مِنْ مُرَادِ صَاحِبِهِ حَتَّى يَحْصُلَ بَيْنَهُمَا الْمُوَافَقَةُ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 123
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست