responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 115
اللَّهِ وَالرَّسُولِ
طَلَبَ حُكْمِهِ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ رَدَّ حُكْمِهِ إِلَى الْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصَةِ فِي الْوَقَائِعِ الْمُشَابِهَةِ لَهُ، وَذَلِكَ هُوَ الْقِيَاسُ، فَثَبَتَ أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى الْأَمْرِ بِالْقِيَاسِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ أَيْ فَوِّضُوا عِلْمَهُ إِلَى اللَّه وَاسْكُتُوا عَنْهُ وَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهُ؟ وَأَيْضًا فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَرُدُّوا غَيْرَ الْمَنْصُوصِ إِلَى الْمَنْصُوصِ فِي أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ فِيهِ إِلَّا بِالنَّصِّ؟ وَأَيْضًا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَرُدُّوا هَذِهِ الْأَحْكَامَ/ إِلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ؟
قُلْنَا: أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَدْفُوعٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْوَقَائِعَ قِسْمَيْنِ، مِنْهَا مَا يَكُونُ حُكْمُهَا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَمَرَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِالطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ، وَأَمَرَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي بِالرَّدِّ إِلَى اللَّه وَإِلَى الرَّسُولِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا الرَّدِّ السُّكُوتَ، لِأَنَّ الْوَاقِعَةَ رُبَّمَا كَانَتْ لَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الشَّغَبِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ حَمْلُ الرَّدِّ إِلَى اللَّه عَلَى السُّكُوتِ عَنْ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَبِهَذَا الْجَوَابِ يَظْهَرُ فَسَادُ السُّؤَالِ الثَّالِثِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي: فَجَوَابُهُ أَنَّ الْبَرَاءَةَ الْأَصْلِيَّةَ مَعْلُومَةٌ بِحُكْمِ الْعَقْلِ، فَلَا يَكُونُ رَدُّ الْوَاقِعَةِ إِلَيْهَا رَدًّا إِلَى اللَّه بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، أَمَّا إِذَا رَدَدْنَا حُكْمَ الْوَاقِعَةِ إِلَى الْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا كَانَ هَذَا رَدًّا لِلْوَاقِعَةِ عَلَى أَحْكَامِ اللَّه تَعَالَى، فَكَانَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْلَى.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ مُقَدَّمَانِ عَلَى الْقِيَاسِ مُطْلَقًا، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِمَا بِسَبَبِ الْقِيَاسِ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُمَا بِسَبَبِ الْقِيَاسِ الْبَتَّةَ، سَوَاءٌ كَانَ الْقِيَاسُ جَلِيًّا أَوْ خَفِيًّا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ النَّصُّ مَخْصُوصًا قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ أَمْرٌ بِطَاعَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهَذَا الْأَمْرُ مُطْلَقٌ، فَثَبَتَ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ سَوَاءٌ حَصَلَ قِيَاسٌ يُعَارِضُهُمَا أَوْ يُخَصِّصُهُمَا أَوْ لَمْ يُوجَدْ وَاجِبَةٌ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ وُجُوهٌ أُخْرَى: أَحَدُهَا: أَنَّ كَلِمَةَ «إِنَّ» عَلَى قَوْلِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ لِلِاشْتِرَاطِ، وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ كَانَ قَوْلُهُ: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ صريح فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إِلَى الْقِيَاسِ إِلَّا عِنْدَ فِقْدَانِ الْأُصُولِ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى أَخَّرَ ذِكْرَ الْقِيَاسِ عَنْ ذِكْرِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ، وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ مُؤَخَّرٌ عَنِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَبَرَ هَذَا التَّرْتِيبَ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ حَيْثُ أَخَّرَ الِاجْتِهَادَ عَنِ الْكِتَابِ، وَعَلَّقَ جَوَازَهُ عَلَى عَدَمِ وِجْدَانِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِقَوْلِهِ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ» الرَّابِعُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ حَيْثُ قَالَ: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ [الْبَقَرَةِ: 34] ثُمَّ إِنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَدْفَعْ هَذَا النَّصَّ بِالْكُلِّيَّةِ، بَلْ خَصَّصَ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ بِقِيَاسٍ هُوَ قَوْلُهُ: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف: 12] ثُمَّ أَجْمَعَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ الْقِيَاسَ مُقَدَّمًا عَلَى النَّصِّ وَصَارَ بِذَلِكَ السَّبَبِ مَلْعُونًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ تَقْدِيمٌ لِلْقِيَاسِ عَلَى النَّصِّ وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ. الْخَامِسُ: أَنَّ الْقُرْآنَ مَقْطُوعٌ فِي مَتْنِهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ، وَالْقِيَاسُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَظْنُونٌ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَالْمَقْطُوعُ رَاجِحٌ عَلَى الْمَظْنُونِ. السَّادِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى/ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الْمَائِدَةِ: 45] وَإِذَا وَجَدْنَا عُمُومَ الْكِتَابِ حَاصِلًا فِي الْوَاقِعَةِ ثُمَّ إِنَّا لَا نَحْكُمُ بِهِ بَلْ حَكَمْنَا بِالْقِيَاسِ لَزِمَ الدُّخُولُ تَحْتَ هَذَا الْعُمُومِ.
السَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات: 1] فإذا كان عموم القرآن حاضر، ثم قدمنا القياس المخصص عليه لَزِمَ التَّقْدِيمُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّه وَرَسُولِهِ. الثَّامِنُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: سَيَقُولُ الَّذِينَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 115
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست