responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 136
إِلَّا لِلْحَقِّ تَعَالَى، وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» فَهَذَا يَصِحُّ ذِكْرُهُ مِنَ الْعَبْدِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا لَا غَائِبًا، لَكِنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ إِنَّمَا اتَّفَقَ حُصُولُهَا لِيُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ عَنْ جَمِيعِ حُظُوظِ النَّفْسِ، وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَصِرْ غَائِبًا عَنْ كُلِّ الْحُظُوظِ لَا يَصِلُ إِلَى مَقَامِ الْمُشَاهَدَةِ، وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» فَهَذَا يَصِحُّ مِنَ الْغَائِبِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ دَرَجَاتِ الْحُضُورِ مُخْتَلِفَةٌ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَكَمَالِ التَّجَلِّي وَنُقْصَانِهِ، وَكُلُّ دَرَجَةٍ نَاقِصَةٍ مِنْ دَرَجَاتِ الْحُضُورِ فَهِيَ غَيْبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ الْكَامِلَةِ، وَلَمَّا كَانَتْ دَرَجَاتُ الْحُضُورِ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ كَانَتْ مَرَاتِبُ الْكَمَالَاتِ وَالنُّقْصَانَاتِ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، فَكَانَتْ دَرَجَاتُ الْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، فَكُلُّ مَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَاضِرٌ فَبِاعْتِبَارٍ آخَرَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَائِبٌ، وَبِالْعَكْسِ وَعَنْ هَذَا قَالَ الشَّاعِرُ: -
أبا غَائِبًا حَاضِرًا فِي الْفُؤَادِ ... سَلَامٌ عَلَى الْغَائِبِ الْحَاضِرِ
وَيُحْكَى أَنَّ الشِّبْلِيَّ لَمَّا قَرُبَتْ وَفَاتُهُ قَالَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ: -
كُلُّ بَيْتٍ أَنْتَ حَاضِرُهُ ... غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى السَّرْجِ
وَجْهُكَ الْمَأْمُولُ حُجَّتُنَا ... يَوْمَ تأتي الناس بالحجج
أسرار من التصوف في لفظ «هو» :
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ «هُوَ» فِيهِ أَسْرَارٌ عَجِيبَةٌ وَأَحْوَالٌ عَالِيَةٌ، فَبَعْضُهَا يُمْكِنُ شَرْحُهُ وَتَقْرِيرُهُ وَبَيَانُهُ، وَبَعْضُهَا لَا يُمْكِنُ، قَالَ مُصَنِّفُ الْكِتَابِ: وَأَنَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ كَتَبْتُ أَسْرَارًا لَطِيفَةً، إِلَّا أَنِّي كُلَّمَا أُقَابِلُ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْمَكْتُوبَةَ بِمَا أَجِدُهُ فِي الْقَلْبِ مِنَ الْبَهْجَةِ وَالسَّعَادَةِ عِنْدَ ذِكْرِ كَلِمَةِ «هُوَ» أَجِدُ الْمَكْتُوبَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْمُشَاهَدَةِ حَقِيرًا، فَعِنْدَ هَذَا عَرَفْتُ أَنَّ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ تَأْثِيرًا عَجِيبًا فِي الْقَلْبِ لَا يَصِلُ الْبَيَانُ إِلَيْهِ، وَلَا يَنْتَهِي الشَّرْحُ إِلَيْهِ، فَلْنَكْتُبْ مَا يُمْكِنُ ذِكْرُهُ فَنَقُولُ: فِيهِ أَسْرَارٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَالَ: «يَا هُوَ» فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: مَنْ/ أَنَا حَتَّى أَعْرِفَكَ، وَمَنْ أَنَا حَتَّى أَكُونَ مُخَاطِبًا لَكَ، وَمَا لِلتُّرَابِ وَرَبِّ الْأَرْبَابِ، وَأَيُّ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْمُتَوَلِّدِ عَنِ النُّطْفَةِ وَالدَّمِ وَبَيْنَ الْمَوْصُوفِ بِالْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ؟ فَأَنْتَ أَعْلَى مِنْ جَمِيعِ الْمُنَاسَبَاتِ وَأَنْتَ مُقَدَّسٌ عَنْ عَلَائِقِ الْعُقُولِ وَالْخَيَالَاتِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ خَاطَبَهُ الْعَبْدُ بِخِطَابِ الْغَائِبِينَ فَقَالَ: يَا هُوَ.
وَالْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كَمَا دَلَّ عَلَى إِقْرَارِ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِالدَّنَاءَةِ وَالْعَدَمِ فَفِيهِ أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَحْضُ الْعَدَمِ، لِأَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ: «يَا هُوَ» فَلَوْ حَصَلَ فِي الْوُجُودِ شَيْئَانِ لَكَانَ قَوْلُنَا: «هُوَ» صَالِحًا لَهُمَا جَمِيعًا، فَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِسَبَبِ قَوْلِهِ: «هُوَ» فَلَمَّا قَالَ: (يَا هُوَ) فَقَدْ حَكَمَ عَلَى كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ عَدَمٌ مَحْضٌ وَنَفْيٌ صِرْفٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [الْقَصَصِ: 88] وَهَذَانِ الْمَقَامَانِ فِي الْفَنَاءِ عَنْ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ مَقَامَانِ فِي غَايَةِ الْجَلَالِ، وَلَا يَحْصُلَانِ إِلَّا عِنْدَ مُوَاظَبَةِ الْعَبْدِ عَلَى أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ بِقَوْلِهِ: يَا هُوَ.
وَالْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْعَبْدَ مَتَى ذَكَرَ اللَّهَ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ:
«يَا رَحْمَنُ» فَحِينَئِذٍ يَتَذَكَّرُ رَحْمَتَهُ فَيَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَى طَلَبِهَا فَيَكُونُ طَالِبًا لِلْحِصَّةِ، وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: (يَا كَرِيمُ، يَا مُحْسِنُ، يَا غَفَّارُ، يَا وَهَّابُ، يَا فَتَّاحُ) وَإِذَا قَالَ: (يَا مَلِكُ) فَحِينَئِذٍ يَتَذَكَّرُ مُلْكَهُ وَمَلَكُوتَهُ وَمَا فِيهِ مِنْ أَقْسَامِ النِّعَمِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 136
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست