نام کتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن نویسنده : السعدي، عبد الرحمن جلد : 1 صفحه : 741
{61 - 65} {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
تدبر هذه الآيات الكريمات، الدالة على سعة رحمة الله تعالى وجزيل فضله، ووجوب شكره، وكمال قدرته، وعظيم سلطانه، وسعة ملكه، وعموم خلقه لجميع الأشياء، وكمال حياته، واتصافه بالحمد على كل ما اتصف به من الصفات الكاملة، وما فعله من الأفعال الحسنة، وتمام ربوبيته، وانفراده فيها، وأن جميع التدبير في العالم العلوي والسفلي في ماضي الأوقات وحاضرها، ومستقبلها بيد الله تعالى، ليس لأحد من الأمر شىء، ولا من القدرة شيء، فينتج من ذلك، أنه تعالى المألوه المعبود وحده، الذي لا يستحق أحد من العبودية شيئًا، كما لم يستحق من الربوبية شيئًا، وينتج من ذلك، امتلاء القلوب بمعرفة الله تعالى ومحبته وخوفه ورجائه، وهذان الأمران -وهما معرفته وعبادته- هما اللذان خلق الله الخلق لأجلهما، وهما الغاية المقصودة منه تعالى لعباده، وهما الموصلان إلى كل خير وفلاح وصلاح، وسعادة دنيوية وأخروية، وهما اللذان هما أشرف عطايا الكريم لعباده، وهما أشرف اللذات على الإطلاق، وهما اللذان إن فاتا، فات كل خير، وحضر كل شر.
فنسأله تعالى أن يملأ قلوبنا بمعرفته ومحبته، وأن يجعل حركاتنا الباطنة والظاهرة، خالصة لوجهه، تابعة لأمره، إنه لا يتعاظمه سؤال، ولا يحفيه نوال.
فقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ} أي: لأجلكم جعل الله الليل مظلمًا، {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} من حركاتكم، التي لو استمرت لضرت، فتأوون إلى فرشكم، ويلقي الله عليكم النوم الذي يستريح به القلب والبدن، وهو من ضروريات الآدمي لا يعيش بدونه، ويسكن أيضًا، كل حبيب إلى حبيبه، ويجتمع الفكر، وتقل الشواغل.
{و} جعل تعالى {النَّهَارَ مُبْصِرًا} منيرًا بالشمس المستمرة في الفلك، فتقومون من فرشكم إلى أشغالكم الدينية والدنيوية، هذا لذكره وقراءته، وهذا لصلاته، وهذا لطلبه العلم ودراسته، وهذا لبيعه وشرائه، وهذا لبنائه أو حدادته، أو نحوها من الصناعات، وهذا لسفره برًا وبحرًا، وهذا لفلاحته، وهذا لتصليح حيواناته.
{إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ} أي: عظيم، كما يدل عليه التنكير {عَلَى النَّاسِ} حيث أنعم عليهم بهذه النعم وغيرها، وصرف عنهم النقم، وهذا يوجب عليهم، تمام شكره وذكره، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} بسبب جهلهم وظلمهم. {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} الذين يقرون بنعمة ربهم، ويخضعون لله، ويحبونه، ويصرفونها في طاعة مولاهم ورضاه.
{ذَلِكُمُ} الذي فعل ما فعل {اللَّهُ رَبُّكُمْ} أي: المنفرد بالإلهية، والمنفرد بالربوبية، لأن انفراده بهذه النعم، من ربوبيته، وإيجابها للشكر، من ألوهيته، {لا إِلَهَ إِلا هُوَ} تقرير أنه المستحق للعبادة وحده، لا شريك له، {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} تقرير لربوبيته.
ثم صرح بالأمر بعبادته فقال: {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} أي: كيف تصرفون عن عبادته، وحده لا شريك له، بعد ما أبان لكم الدليل، وأنار لكم السبيل؟ "
{كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} أي: عقوبة على جحدهم لآيات الله، وتعديهم على رسله، صرفوا عن التوحيد والإخلاص، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ}
{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا} أي: قارة ساكنة، مهيأة لكل مصالحكم، تتمكنون من حرثها وغرسها، والبناء عليها، والسفر، والإقامة فيها.
{وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} سقفًا للأرض، التي أنتم فيها، قد جعل الله فيها ما تنتفعون به من الأنوار والعلامات، التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} فليس في جنس الحيوانات، أحسن صورة من بني آدم، كما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}
وإذا أردت أن تعرف حسن الآدمي وكمال حكمة الله تعالى فيه، فانظر إليه، عضوًا عضوًا، هل تجد عضوًا من أعضائه، يليق به، ويصلح أن يكون في غير محله؟ وانظر أيضًا، إلى الميل الذي في القلوب، بعضهم لبعض، هل تجد ذلك في غير الآدمين؟ وانظر إلى ما خصه الله به من العقل والإيمان، والمحبة والمعرفة، التي هي أحسن الأخلاق المناسبة لأجمل الصور.
{وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} وهذا شامل لكل طيب، من مأكل، -[742]- ومشرب، ومنكح، وملبس، ومنظر، ومسمع، وغير ذلك، من الطيبات التي يسرها الله لعباده، ويسر لهم أسبابها، ومنعهم من الخبائث، التي تضادها، وتضر أبدانهم، وقلوبهم، وأديانهم، {ذَلِكُمُ} الذي دبر الأمور، وأنعم عليكم بهذه النعم {اللَّهُ رَبُّكُمْ} {فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} أي: تعاظم، وكثر خيره وإحسانه، المربي جميع العالمين بنعمه.
{هُوَ الْحَيُّ} الذي له الحياة الكاملة التامة، المستلزمة لما تستلزمه من صفاته الذاتية، التي لا تتم حياته إلا بها، كالسمع، والبصر، والقدرة، والعلم، والكلام، وغير ذلك، من صفات كماله، ونعوت جلاله.
{لا إِلَهَ إِلا هُوَ} أي: لا معبود بحق، إلا وجهه الكريم. {فَادْعُوهُ} وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: اقصدوا بكل عبادة ودعاء وعمل، وجه الله تعالى، فإن الإخلاص، هو المأمور به كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: جميع المحامد والمدائح والثناء، بالقول كنطق الخلق بذكره، والفعل، كعبادتهم له، كل ذلك لله تعالى وحده لا شريك له، لكماله في أوصافه وأفعاله، وتمام نعمه.
نام کتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن نویسنده : السعدي، عبد الرحمن جلد : 1 صفحه : 741