نام کتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن نویسنده : السعدي، عبد الرحمن جلد : 1 صفحه : 583
{41 - 44} {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا * أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا} .
أي: وإذا رآك يا محمد هؤلاء المكذبون لك المعاندون لآيات [الله] [1] المستكبرون في الأرض استهزءوا بك واحتقروك وقالوا -على وجه الاحتقار والاستصغار- {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا} أي: غير مناسب ولا لائق أن يبعث الله هذا الرجل، وهذا من شدة ظلمهم وعنادهم وقلبهم الحقائق فإن كلامهم هذا يفهم أن الرسول -حاشاه- في غاية الخسة والحقارة وأنه لو كانت الرسالة لغيره لكان أنسب.
{وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} فهذا الكلام لا يصدر إلا من أجهل الناس وأضلهم، أو من أعظمهم عنادا وهو متجاهل، قصده ترويج ما معه من الباطل بالقدح بالحق وبمن جاء به، وإلا فمن تدبر أحوال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وجده رجل العالم وهمامهم ومقدمهم في العقل والعلم واللب والرزانة، ومكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والعفة والشجاعة والكرم وكل خلق فاضل، وأن المحتقر له والشانئ له قد جمع من السفه والجهل والضلال والتناقض والظلم والعدوان ما لا يجمعه غيره، وحسبه جهلا وضلالا أن يقدح بهذا الرسول العظيم والهمام الكريم.
والقصد من قدحهم فيه واستهزائهم به تصلبهم على باطلهم وغرورا لضعفاء العقول [2] ولهذا قالوا: {إِنْ كَادَ} هذا الرجل {لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا} بأن يجعل الآلهة إلها واحدا {لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} لأضلنا زعموا -قبحهم الله- أن الضلال هو التوحيد وأن الهدى ما هم عليه من الشرك فلهذا تواصوا بالصبر عليه. {وَانْطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} .
-[584]-
وهنا قالوا: {لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} والصبر يحمد في المواضع كلها، إلا في هذا الموضع فإنه صبر على أسباب الغضب وعلى الاستكثار من حطب جهنم. وأما المؤمنون فهم كما قال الله عنهم: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ولما كان هذا حكما منهم بأنهم المهتدون والرسول ضال وقد تقرر أنهم لا حيلة فيهم توعدهم بالعذاب وأخبر أنهم في ذلك الوقت {حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} يعلمون علما حقيقيا {مَنْ} هو {أَضَلُّ سَبِيلا} {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا} الآيات.
وهل فوق ضلال من جعل إلهه معبوده [هواه] [3] فما هويه فعله فلهذا قال: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} ألا تعجب من حاله وتنظر ما هو فيه من الضلال؟ وهو يحكم لنفسه بالمنازل الرفيعة؟
{أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا} أي: لست عليه بمسيطر مسلط بل إنما أنت منذر، وقد قمت بوظيفتك وحسابه على الله. [1] زيادة مني يقتضيها السياق. [2] المراد: (وتغريرا بضعفاء العقول) . [3] زيادة مني يقتضيها السياق مع العلم أن كلمة هواه كتبت في ب بدلا عن معبوده ثم شطبت.
{34} {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلا} .
يخبر تعالى عن حال المشركين الذين كذبوا رسوله وسوء مآلهم، وأنهم {يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ} أشنع مرأى، وأفظع منظر تسحبهم ملائكة العذاب ويجرونهم {إِلَى جَهَنَّمَ} الجامعة لكل عذاب وعقوبة. {أُولَئِكَ} الذين بهذه الحالة {شَرٌّ مَكَانًا} ممن آمن بالله وصدق رسله، {وَأَضَلُّ سَبِيلا} وهذا من باب استعمال أفضل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء فإن المؤمنين حسن مكانهم ومستقرهم، واهتدوا في الدنيا إلى الصراط المستقيم وفي الآخرة إلى الوصول إلى جنات النعيم.
{35 - 40} {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا * وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأمْثَالَ وَكُلا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا * وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا} .
أشار تعالى إلى هذه القصص وقد بسطها في آيات أخر ليحذر المخاطبين من استمرارهم على تكذيب رسولهم فيصيبهم ما أصاب هؤلاء الأمم الذين قريبا منهم ويعرفون قصصهم بما استفاض واشتهر عنهم.
ومنهم من يرون آثارهم عيانا كقوم صالح في الحجر وكالقرية التي أمطرت مطر السوء بحجارة من سجيل يمرون عليهم مصبحين وبالليل في أسفارهم، فإن أولئك الأمم ليسوا شرا منهم ورسلهم ليسوا خيرا من رسول هؤلاء {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} ولكن الذي منع هؤلاء من الإيمان -مع ما شاهدوا من الآيات- أنهم كانوا لا يرجون بعثا ولا نشورا، فلا يرجون لقاء ربهم ولا يخشون نكاله فلذلك استمروا على عنادهم، وإلا فقد جاءهم من الآيات ما لا يبقي معه شك ولا شبهة ولا إشكال ولا ارتياب.
نام کتاب : تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن نویسنده : السعدي، عبد الرحمن جلد : 1 صفحه : 583