نام کتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ت شاكر نویسنده : الطبري، أبو جعفر جلد : 1 صفحه : 471
وجه التعجب، فدعْوَى لا دلالة عليها في ظاهر التنزيل، ولا خبر بها من الحجة يقطعُ العذرَ. وغير جائز أن يقال في تأويل كتاب الله بما لا دلالة عليه من بعض الوجوه التي تقوم بها الحجة.
وأما وصفُ الملائكة مَن وصفت -في استخبارها ربَّها عنه- بالفساد في الأرض وسفك الدماء، فغير مستحيلٍ فيه ما رُوي عن ابن عباس وابن مسعود من القول الذي رواه السُّدّيّ، ووافقهما عليه قتادة - من التأويل: وهو أن الله جل ثناؤه أخبرهم أنه جاعلٌ في الأرض خليفة تكون له ذرية يفعلون كذا وكذا، فقالوا: "أتجعل فيها من يفسد فيها"، على ما وصفت من الاستخبار.
فإن قال لنا قائل: وما وجه استخبارها، والأمر على ما وصفتَ، من أنها قد أخبرت أنّ ذلك كائن؟
قيل: وجه استخبارها حينئذ يكون عن حالهم عن وقوع ذلك. وهل ذلك منهم؟ ومسألتهم ربَّهم أن يجعلهم الخلفاءَ في الأرض حتى لا يعصوه. وغيرُ فاسد أيضًا ما رواه الضحاك عن ابن عباس، وتابعه عليه الربيع بن أنس، من أن الملائكة قالت ذلك لما كان عندها من علم سكان الأرض -قبل آدم- من الجنّ، فقالت لربها:"أجاعل فيها أنت مثلهم من الخلق يفعلون مثل الذي كانوا يفعلون"؟ على وجه الاستعلام منهم لربهم، لا على وجه الإيجاب أنّ ذلك كائن كذلك، فيكون ذلك منها إخبارًا عما لم تطلع عليه من علم الغيب. وغيرُ خطأ أيضًا ما قاله ابن زيد من أن يكون قيلُ الملائكة ما قالت من ذلك، على وجه التعجب منها من أن يكون لله خلقٌ يعصي خالقه.
وإنما تركنا القول بالذي رواه الضحاك عن ابن عباس، ووافقه عليه الربيع بن أنس، وبالذي قاله ابن زيد في تأويل ذلك، لأنه لا خبر عندنا بالذي قالوه من وجه يقطعُ مجيئُه العذرَ، ويُلزمُ سامِعَه به الحجة. والخبر عما مضى وما قد سلف، لا يُدرك علمُ صحته إلا بمجيئه مجيئًا يمتنع مَعه التشاغب والتواطؤ، ويستحيل مَعه الكذب والخطأ والسهو [1] . وليس ذلك بموجود كذلك فيما حكاه الضحاك عن ابن عباس ووافقه عليه الربيع، ولا فيما قاله ابن زيد.
فأولى التأويلات -إذ كان الأمر كذلك- بالآية، ما كان عليه من ظاهر التنزيل دلالةٌ، مما يصح مخرجُه في المفهوم.
فإن قال قائل: فإن كان أولى التأويلات بالآية هو ما ذكرتَ، من أن الله أخبر الملائكة بأن ذرّية خليفته في الأرض يفسدون فيها ويسفكون فيها الدماء، فمن أجل ذلك قالت الملائكة:"أتجعل فيها من يفسد فيها"، فأين ذكر إخبارِ الله إياهم في كتابه بذلك؟
قيل له: اكتفى بدلالة ما قد ظهرَ من الكلام عليه عنه، كما قال الشاعر:
فَلا تَدْفِنُونِي إِنَّ دَفْنِي مُحَرَّمٌ ... عَلَيْكُمْ، وَلَكِن خَامِرِي أُمَّ عَامِرِ (2)
فحذف قوله"دعوني للتي يقال لها عند صَيدها": خامري أمّ عامر. إذ كان فيما أظهر من كلامه، دلالة على معنى مراده. فكذلك ذلك في قوله:"قالوا [1] في المخطوطة والمطبوعة: "يمتنع منه. . . ويستحيل منه"، وليست بشيء. وفي المخطوطة مكان"التشاغب": "الساعر" غير مبينة.
(2) البيت للشنفري الأزدي في قصة. شرح الحماسة 2: 24-26، والأغاني 21: 89 وغيرهما. ويروى: "لا تقبروني إن قبري"، "ولكن أبشري". وقوله"خامري": أي استتري، وأصله من الخمرة (بكسر فسكون) وهو الاستخفاء. يريدون بذلك دنو الضبع مستخفية ملازمة لمكانها حتى تخالط القتيل فتصيب منه. وأم عامر: كنية الضبع. وذلك مما يقوله لها الصائد حين يريد صيدها، يغرها بذلك حتى يتمكن منها، فيقول لها: "أبشري أم عامر بشياه هزلى، وجراد عظلى، +وكسر رجال قتلى"، فتميل الضبع إليه فيصيدها.
نام کتاب : تفسير الطبري = جامع البيان - ت شاكر نویسنده : الطبري، أبو جعفر جلد : 1 صفحه : 471