بنطاق الشرع وزمامه، وكيف يدفع عنه كيد شيطانه، وكيف يتناول سماء العالم وأرضه وأزواجه بيد الشرع فيعرف ما فيها من نعمة وحكمة فيستغلها بهداية الشرع مفرقا علميا وعمليا- بين منافعها ومضارها، فيعظم بها انتفاعه ويزداد فيها اطلاعه واكتشافه فتتضاعف عليه منها الخيرات والبركات ويزداد علمه وعرفانه، ويقوى يقينه وايمانه ويعظم لله بره وشكرانه. فيكون له ذلك العالم جنة الدنيا وقنطرة لجنة الاخرى، ويفوز من الدارين بالمبتغى، كل هذا بفراره من المخلوقات إلى خالقها فسلم من شرها وفاز بخيرها فمن هرب من المخلوقات إلى خالقها نجا ومن فر من الخالق إلى شيء من مخلوقاته كان من الهالكين.
إرشاد وتعميم:
كل ما يصيب الإنسان من محن الدنيا ومصائبها وأمراضها وخصوماتها ومن جميع بلائها لا ينجيه من شيء منه إلاَّ فراره إلى الله. ففي العدالة الشرعية ما يقطع كلَّ نزاع، وفي المواعظ الدينية ما يهون كل مصاب، وفي الهداية القرآنية والسيرة النبوية ما ينير كل سبيل من سبل النجاة والسعادة في الحياة. يعرف ذلك الفقهاء القرآنيون السنيون، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
تنبيه على وهم:
ليس الفرار من الأمراض بمعالجتها، ومن المصائب بمقاومتها فرارا من الله لأنَّ الأمراض هو قدَّرها والأدوية هو وضعها ودعا إلى استعمالها والتعالج بها، وكذلك المصائب وما شرع من أسباب مقاومتها فكلها منه بقدره والإنسان مأمور منه بأن يعالج ويقاوم فما فر من قدره إلاَّ إلى قدره ولهذا لما قال أبو عبيدة لعمر- رضي الله عنهما- في قصة الوباء: " أفراراً من قدر الله يا عمر! " قال عمر: "نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله". وفي الحقيقة كان الفرار من شرٍ في مخلوق إلى الله يرجو منه الخير في غيره.