بيته ان فلانا سيمتثل، وان فلانا سيخالف. ويظهر ما قاله وما علمه في كل واحد منهما فجازى الممتثل على طاعته وجازى المخالف على عصيانه. فلا شك ان هذا الرجل قد أحسن إلى ولديه بما أمرهما به من خير وفعل ما تقتضيه أبوته من النصح والارشاد، ولا يقدح في ذلك علمه بما سيكون منهما. كما أن هذين الولدين قد نال كل واحد منهما ما يستحق دون أن يكون للمخالف منهما حجة على مخالفته بما كان يعلمه منه أبوه.
لله المثل الأعلى فقد أحاط بكل شيء علما فعلم من سيطيعه ومن سيعصي، ولكنه الحكم العدل فلم يكن ليجازيهم على سابق علمه فيهم، الذي لا دخل لهم فيه، بل جعل جزاءهم بعد اقامة الحجة عليهم بما يكون من اختيارهم ليكون جزاؤهم على ما عملوا وما قدمت أيديهم وما لهم دخل فيه بالكسب والاكتساب.
تعليم:
أرأيت كيف أن الله تعالى لم يجاز الخلق على مقتضى علمه فيهم، وهو العلم الذي لا يتخلف، وإنما جعل جزاءهم اعى أعمالهم. فهذا تعليم لنا كيف تكون معاملتنا بعضنا لبعض فلا نجازي على مجرد الظن بل ولا على مجرد اليقين وإنما تكون المجازاة بعد صدور الأعمال. فرب شخص قدرت فيه الخير أو الشر ففعل ضد ما قدرت، فلو جازيته قبل الفعل لما طابق جزاؤك موضعه ولنال كل ما لا يستحقه، فالحكمة والعدل والمصلحة في ربط المجازاة بالأعمال، وهذا ما كان من الله في مجازاة خلقه وهذا ما ينبغي ان نربط به المجازاة بيننا.
تمثيل حال المعرضين عن الحق المعاندين فيه:
{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ}