الكثير، ويكون عمله في كتاب الله هو التفهم والتدبر لآياته والتفطن لتنبيهاته ووجوه دلالاته واستثارة علومه من منطوقه ومفهومه، على ما دلت عليه لغة العرب في منظومها ومنثورها، وما جاء من التفاسير المأثورة وما نقل من فهوم الأئمة الموثوق بعلمهم وأمانتهم، المشهود لهم بذلك من أمثالهم، فإذا وقف أمام المتشابه رده إلى المحكم، وإذا انتهى إلى فواتح السور ذكر عجزه فآمن بما لها من معنى وقال: الله أعلم به. فهذا السير النظري والعمل العلمي المبني على اليقين بعدل الخالق جل جلاله وحكمته ورحمته في خلقه وقدره وشرعه وكلامه ومعرفة العبد بقدره ومقامه يزداد السائر على مقتضاه ايمانا وعلماً وفوائد جمة، ويسلم من الغرور والأوهام والفتنة، وهو سبيل الراسخين الذين يقولون فيما لا يفهمونه: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [1].
القول الثاني في فواتح السور:
وذهبت جماعة من أهل العلم- من السلف والخلف- إلى ان هذه الفواتح قد فهمت العرب المراد منها، ولذلك لم تعترض على البيان بها ولا طعنت في عربيته بعدم فهمها، وان كنا لا نجد في كلامها ما نعرف به المعنى الذي فهمته منها، وممن ذهب إلى ذلك الامام أبو بكر بن العربي فقال في كتاب ((القبس على موطأ مالك بن أنس)): "وليست من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، فان محمداً- صلى الله عليه وآله وسلم- لو خاطب الكفار منها بما لا يفهم لكان ذلك أقوى أسبابها في الطعن عليه، وكانوا يقولون: هذا يتكلم بما لا نفهم وهو يدعي أنه بلسان عربي مبين. وما حمعسق في اللسان؟ وما كفهيعص في الكلام؟ فدل أنهم فهموا الغرض وعرفوا المقصود؟. [1] 3/ 7 آل عمران.