ولما لم يكن شيء من ذلك ظن أنه كان غائباً غير حاضر وذلك هو الظن الأخير الذي حصل به اليقين.
تعليم وقدوة:
من حق الرعية على راعيها أن يتفقدها ويتعرف أحوالها إذ هو مسؤول عن الجليل والدقيق منها يباشر بنفسه ما استطاع مباشرته منها ويضع الوسائل التي تطلعه على ما غاب عليه منها وينيط بأهل الخبرة والمقدرة والأمانة تفقد أحْوالها حتى تكون أحوال كل ناحية معروفة مباشرة لمن كلف بها. فهذا سليمان على عظمة ملكه واتساع جيشه وكثرة أتباعه قد تولى التفقد بنفسه ولم يهمل أمر الهدهد على صغره وصغر مكانه، وقد كان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول: "لو أن سخلة بشاطىء الفرات يأخذها الذئب ليسأل عنها عمر" وهذا التفقد والتعرف هو على كل راع في الامم والجماعات والاسر والرفاق وكل من كانت له رعية.
تعليل وتحرير:
تفقد سليمان جنس ما معه من الطير للتعرف كما ذكرنا وذكر الطير لأنه هو الذي تعلهقت به القصة وليس في السكوت عن غير الطير ما يدل على أنه لم يتفقده فالتفقد لم يكن للهدهد بخصوصه وإنما لما تفقد جنس الطير فقده ولم يجده فقال ما قال. فلا وجه لسؤال من سأل: كيف تفقد الهدهد من بين سائر الطير.
تدقيق لغوي وغوص علمي:
سأل سليمان عن حال نفسه فقال: ما لي لا أرى الهدهد ولم يسأل عن حال الهدهد فيقل [1] ما للهدهد لا أراه فأنكر حال نفسه قبل أن ينكر حال غيره. فنقل الحافظ الإمام ابن العربي عن الإمام [1] كذا في الأصل.