فأفادَ أن الأعمال سبب في دخول الجنة وفي هذه الآية: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ} فأفاد أن الدخول بالرحمة، ولا منافاة ما بينهما فَالأعمال سبب شرعي لدخول الجنة والهداية إليه والتوفيق فيه وقبوله هو رحمة من الله. والعمل من حيث ذاته لا يستحق على الله جزاء لأنه لا ينتفع به إذ هو الغني عن خلقه. وإنما تفضل فجعله سبباً في نيل ثوابه ثم تفضل فجعل الجزاء مضاعفاً إلى عشر، إلى أضعاف كثيرة إلى الموفي للصابرين بغير حساب.
دقيقة روحية:
إن الأرواح النورانية الطاهرة السامية لا لذة لها حقيقية في هذا العالم الفاني المادي المنحط، وإنما لذتها الحقيقية في عالمها العالي الأقدس وفي الرفيق الأعلى الأطهر وفي معاشرة أمثالها من النفوس الطيبة الزكية. في ذلك القدس الأسنى، فهي دائمة الشوق إليه والانجذاب نحوه. ولذا كان من دعوات الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- الدخول في الصالحين واللحوق بهم. مثل قول سليمان هنا، وقول إبراهيم: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [1]. وقول يوسف: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [2].
وفقنا الله لشكر ما من به من سابق النعمة، وللقيام فيما بقي من العمر بواجب الخدمة وختم لنا باللحوق بعباده الصالحين [3]. [1] 82/ 26 الشعراء. [2] 101/ 12 يوسف. [3] ش: ج4، م 15، ص 157 - 165 غرة ربيع الثاني 1358 - ماي 1939