وآدم عليه السلام كانت منه المخالفة على التأويل وتاب الله عليه، وكل ذلك قد كان في حياته فلم يبق عليه لوم بعد ذلك المتاب، فلما لامه موسى لم يكن سبب اللوم من ناحيته- وهو المخالفة- قائما لزواله بما كان من التوبة، ولم يبق إلا التقدير السابق، وهو لا دخل له فيه، فكيف يلام. فقلت حجته على موسى بسبب انعدام ما يوجب عليه اللوم، وهو المخالة، فكان لوم موسى في غير محله.
دفع شبهة:
قد احتج آدم بالقدر السابق فنهضت حجته، فهل يحتج كل مخالف بالقدر السابق فتنهض حجته؟ كلا: فإن الأدلة القطعية المتقدمة تمنع من ذلك منعا قاطعا. والتحقيق أن المخالف له حالتان: حالة التوبة الصادقة التي أسقطت المؤاخذة، وهذه هي حالة آدم التي احتج فيها فنهضت حجته، وحالة عدم التوبة، وهذه لا حجة فيها بالقدر لوجود المؤاخذة بالعمل المكتسب. وآدم وإن لم يذكر توبته. بمقاله فهي مفهومة من حالة معروفة مما أنزله الله من كتبه على موسى وغيره.
دفع شبهة أخرى:
فإذا كان آدم لا لوم عليه لسقوط المؤاخذة بالتوبة فكيف لامه موسى؟ والجواب: أن موسى لا يجهل هذا ولكنه غفل عنه أو غفل عما كان من آدم من التوبة، وتجوز عليه الغفلة وهو ليس في دار التكليف ولا في مقام التبليغ، فلما ذكر آدم دليله ذكر موسى ما غفل عنه فسلم.
إقتداء:
المناظرة في العلم والدين والمحاجة بالحق عن الأصول الشرعية والكمالات الإنسانية لا يتعالى عنها كبير لكبره، ولا يحتقر فيها صغير