المعنى:
كان النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يواظب على الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فجاءته زوجته صفية ليلة تؤنسه وتحادثه فلما أرادت الانصراف إلى بيتها قام معها النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يؤنسها إلى بيتها كما جاءت هي إليه، وبلغ معها باب المسجد فمر بهما رجلان من الأنصار فأسرعا في مشيهما واستحييا لما رأيا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-، فخشي النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- عليهما من وسوسة الشيطان المسلط على الإنسان بأن يلقي في قلوبهما شيئا من وجود امرأة مع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- والشيطان يقنع بالخطرة يلقيها في قلب المؤمن يؤلمه بها ولو كان صدق إيمانه يرد عنه كيد الشيطان، ويدفعه ويقنع بإذاية المؤمن ولو بخطرة السوء تمر بالقلوب تمسه في دينه أو عرضه، فأراد النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أن يسد في وجه الشيطان باب الكيد لذينك الرجلين الصَّحابيين- رضي الله عنهما- ويقطع عليه طريق إذايتهما وإذايته معهما، فقال لهما تمهلا ولا تسرعا في مشيكما وأعلمهما بأنها زوجته صفية. وكان الصحابيان الجليلان لم يقع في قلوبهما شيء ولم يخطر أدنى خاطر منه في بالهما، فاستعظما وكبر عليهما واشتد عليهما أن يظن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فيهما خطور مثل هذا ببالهما، حتى يحتاج إلى تعريفهما، وهما كانا يريان أنفسهما بصدق إيمانهما أبعد ما يكون عن هذا. فبين لهما النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- الداعي الذي دعاه إلى تعريفهما بالواقع، وهو الخوف عليهما مما قد يكون بإلغاء الشيطان دون قصد منهما، لا شيء هو واقع منهما وبين لهما ما يعرفهما بإمكان ذلك وسهولته بما فعل للشيطان من التمكن من إلقاء الوسواس للإنسان وبلوغه منه في الإحاطة والتمكن مبلغ الدم.