كان الصحابة يعلمون هذا علما عاماً ولذلك سألت أم حرام أولا وثانيا سؤال المتيقن بوقوع الغزو على الوجه الذي ذكر- صلى الله عليه وآله وسلم- ثم قد تكون رؤياهم بالمثال كما رأى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بقرة تنحر فأولها بمن قتل من أصحابه في غزوة أحد، وقد تكون بالصريح الذي لا يحتاج إلى التأويل كما هنا، ومنها تحقيق استجابة دعائه إذا دعا، ولهذا قال لها في الثانية- جازما-: أنت من الأولين. وهذا فيما لم يعلم بالمنع منه كما في حديث وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض، يعني أمته فمنعنيها. ومنها أن من معجزاته- صلى الله عليه وآله وسلم- إخباره بأمور غيبية لم يكن شيء مما يدل عليها أو يقتضي وقوعها يوم أخبر فوقعت كما أخبر فركب أصحابه البحر وغزوا الروم ومدينة قيصر من بعده بينما كانوا يوم أخبر بهذا من أبعد الأمم عن ركوب البحر والبراعة فيه وكانت أم حرام مع الطائفة الأولى كما أخبرها، وكانت منهم على أبلغ وجه حيث فازت بالثمرة المقصودة من الغزو وهي الشهادة وإن كان موتها في غير مباشرة القتال لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ومن قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد. رواه مسلم ولقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}.
الموعظة:
علم الله أن السيادة في البر لمن ساد في البحر، وأن أقسام الأرض المتقاطعة وأصناف الأمم المتباينة، لا يقرب بينها. ويفتح الطريق لتواصلها وتعارفها، وينقل مدنياتها من بعض إلى بعض منها إِلاَّ ركوب البحر وملك ناصيتها، فجاءت الآيات القرآنية العديدة في ذكر البحر