من العلوم والمعارف، وما يزكيها من الأخلاق والأداب، وما يقويها من صالح العمل، ومفيد السعي في وجوه الحياة ويحفظها من كل ما يغشى العقل من جهالات وأوهام، وما يدسي النفس من رذائل، وما يضعفها من كسل وبطالة، كذلك عليه أن يغذي بدنه بما ينميه وما يصلحه وما يقويه، ويحفظه من كل ما يفسده أو ينهكه أو يؤذيه.
يتوقف هذا البدن وصلاحه على الغذاء، وقد جعل الله فيه وعً، وأي وعاء، وهو المعدة، مخزن الغذاء وبيت الداء، وعلى حفط نظام هذا الوعاء تترتب الصحة والمرض والسقم والشفاء.
فإذا ملأ ابن آدم بطنه كان عليه شر وعاء، وانبعثت منه شر الأدواء: أسقام للبدن وأثقال على الروح وظلمات للعقل، فانقلب على الانسان مع انتفاع به إلى أصعب الشر وأقسى البلاء.
وإذا اقتصر على أكلات تقيم الصلب وتمسك البدن حصل من البدن على العمل، وسلم من آلام المرض، ونعم بالعافية، وكان انتفاعه بالآلة البدنية خالصا من شوائب الضرر.
واذا غلبته الشهوة، وكان- لا محالة- منقادا للذة، فليقف دون الشبع، ولا يملأ كل الملأ المعدة حتى لا تثقل حركتها في الهضم، وحتى لا تنتفخ في البطن فتسد مجاري النفس وبذلك يكون قد عدل بين أصول الحياة البدنية الثلاث: طعامه وشرابه ونفسه، فأعطى لكل واحد الثلث من بطنه.
غير أن الإنسان إذا كان هكذا تغلبه الشهوة، وتقوده اللذة، فإنه بمظنة أن يتجاوز- ولو في بعض الأحيان- العدل إلى الامتلاء. فشرع له الصوم ليقاوم شر ذلك بما فيه من راحة للمعدة ونقاء، وتربية على امتلاك زمام نفسه عن الشهوات واللذات وعلى استطاعة حملها على الجوع والعطش عند الاقتضاء، هذا للمعتدل وللمالئي للبطن الملوك للشهوة بالأحرى والأولى، اما ذاك المقتصر على الاكلات فهو له