وأذكر للثاني كلمة لا يقل أثرها في ناحيتي العلمية عن أثر تلك الوصية في ناحيتي العملية وذلك انني كنت متبرماً بأساليب المفسرين وإدخالهم لتأويلاتهم الجدلية واصطلاحاتهم المذهبية في كلام الله، ضيق الصدر من اختلافهم فيما لا اختلاف فيه من القرآن، وكانت على ذهني بقية غشاوة من التقليد واحترام آراء الرجال حتى في دين الله وكتاب الله. فذاكرت يوما الشيخ النخلي فيما أجده في نفسي من التبرم والقلق فقال لي: اجعل ذهنك مصفاة لهذه الأساليب المعقدة وهذه الأقوال المختلفة وهذه الآراء المضطربة يسقط الساقط ويبقى الصحيح وتستريح.
فوالله لقد فتح بهذه الكلمة القليلة عن ذهني آفاقاً واسعة لا عهد له بها.
ثم لأخواني العلماء الأفاضل الذين وازوني في العمل من فجر النهضة إلى الآن، فمن حظ الجزائر السعيد ومن مفاخرها التي تتيه بها على الأقطار أنه لم يجتمع في بلدٍ من بلدان الإسلام فيما رأينا وسمعنا وقرأنا مجموعة من العلماء وافرة الحظ من العلم مؤتلفة القصد والاتجاه مخلصة النية متينة العزائم متحابة في الحق مجتمعة القلوب على الإسلام والعربية قد ألف بينها العلم والعمل- مثل ما اجتمع للجزائر في علمائها الأبرار فهؤلاء هم الذين ورى بهم زنادي وتأثل بطارفهم تلادي، أطال الله أعمارهم ورفع أقدارهم، ثم لهذه الأمة الكريمة المعوانة على الخير المنطوية على أصول الكمال ذات النسب العريق في الفضائل والحسب الطويل العريض في المحامد.
هذه الأمة التي ما عملت يوما- علم الله- لارضائها لذاتها. وإنما عملت وما أزال اعمل لارضاء الله بخدْمة دينها ولغتها ولكن الله سددها في الفهم وأرشدها إلى صواب الرأي فتبينت قصدي على وجهه وأعمالي على حقيقتها فأعانت ونشطت بأقوالها وأموالها وبفلذات