ويتمنى أن لا يبقى على وجه الأرض منعم عليه. وإنما ينشأ الحسد من العجب وحب الذات فتسول له نفسه أن غيره ليس أهلًا لنعم الله، وكفى بهذا محادة للمنْعِم.
والحسد شر تلازمه شرور، العجب والاحتقار والكِبْر، وقد جمع إبليس هذه الشرور كلها حسد آدم عجْبا بنفسه: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [1]، ورآه لا يستحق السجود احتقارًا له فقال: أهذا الذي أكرمْتَ علي ثم تكبر ولم يسجد ورضي باللعنة والخزي، ولا أشنع من صفة يكون إبليس فيها إمامًا.
والحسد شر على صاحبه قبل غيره لأنه ياكل قلبه ويؤرق جفنه ويقضّ مضجعه، ولا يكون شرًا على غيره إلا إذا ظهرت آثاره بأن كان قادرًا على الإضرار أو ساعيًا فيه، ولهذا قال تعالى: {إِذَا حَسَدَ}. والمتمني للشيء لا يمنعه من إتيانه إلا العجز. وأعظم ما ينمي الحسد ويغذيه امتداد العين إلى ما متع الله به عباده من متاع المال والبنين، ونعمة العافية والعلم، والجاه والحكم وقد نهى الله نبيه عن مد العين إلى ما عند الغير فقال: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.
وفي هذه الآية مع النهي إرشاد إلى علاج الحسد، فإن الحسد مرض نفساني معضل، ولكنه كغيره من الأمراض النفسية يعالج، وقد وصف الحكماء له أنواعًا من العلاج فصلتها كتب السنة وكتب الفقه النفسي ككتاب الإحياء للغزالي [1].
... [1] 7/ 11 الاعراف و 38/ 76 ص.
(2) 20/ 131 طه.
(3) ج 4، م4، ص 186 - 212
غرة ربيع الثانى وجمادى الأولى 1357 - جوان جوليت 1938