الخير المحض، وإن كان ينشأ عنها الشر أحيانًا أو دائمًا فعملها هو الشر وهو المستعاذ منه. وتصخ نسبة هذا القسم إلى الله من حيث الخلق والحكمة، ونسبة أعماله إليه من حيث التقدير والتكوين لا من حيث الرضى والتكليف، فالله لا يرضى بالشرّ ولا يكلف به، وقصارى إبليس -وهو مادة الشر في هذا الوجود- أن يزيد الشر ويلبسه بالخير. فالشر بيد الله خلقة وحكمة لا رِضًا وتكليفًا، والخير بيد الله خلقة وحكمة ونعمة وأمرًا.
وقد يكون الشرّ ذاتيًا لا ينفك، وقد يكون نسبيًّا باعتبار حالة تعرض واتجاه يقصد ونعم الله على عباده قد تنقلب عليهم شرًا وبلاءً بسبب سوء تصرفهم فيها، كالمال الذي سماه الله خيرًا في القرآن - يكسبه صاحبه من الوجوه الشرعية وينفقه في الوجوه المشروعة. ويتحرى رضا الله في جمعه وتفريقه فيكون خيرًا بذاته وبعمل صاحبه. ويتصرف فيه بعكس ذلك فيكون شرًا لا من ذاته بل من عمل صاحبه.
وهذا العالم الإنساني المكلف هو الذي يتجلّى الخير والشرّ في أعماله. ويتصلان بحياته اتصالًا وثيقًا. وإنما عيب عليه الشر وقبح منه لأنه قادر على تمييزه واجتنابه ومكلف بذلك، وقد وضع له الدين قوانين ثابتة للخير والشر، وَوَضَّح له أن الخير ما نفع وأن الشر ما أضر. ولكنه وإن أُوتي قوّة التمييز لم يؤت قوّة الاستعصام ابتلاء من الله. فأما المخذول فيأتي الشر عامدًا متعمدًا وهو يعلم أنه شر، وأما الموفق فيواقع الشر في مواقف يشتبه عليه فيها الخير بالشر ويعسر التمييز، والخير والشر لا يوزنان بميزان حيي يستوي الناس كلهم في إدراكه وقد تَدِقُّ الفوارق بينهما حتى تخفى، وفي هذه المواقف يجب الالتجاء إلى الله ليرينا الخير خيرًا ويكشف لبصائرنا عن حقائق الشر فلا يلتبس علينا شيء بشيء، وبعد أن يوجه الاضطرار نفوسنا هذا التوجيه الصحيح تندفع ألسنتنا ونقول: