الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إن إهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: بلى- والذي نفسي بيده- رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ... )، فهذا الحديث بيَّن أن أهل الغرف هم أكمل المؤمنين وأعلاهم درجة في الجنة بهذا المقدار من البعد، فهم الموصوفون بالصفات المذكورة في الآيات المتقدمة على أتمها، ومن لم يكن مثلهم فيها لم يكن في منازلهم التي جوزوا بها عليها وكان على حسب حظه من الإيمان في منزلة من منازل أهل الجنة الذين يتراءون أهل الغرف. فدرجات أهل الجنة في منازلهم على حسب سلوكهم في أعمالهم: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [1].
دلالة:
دلت الآية على السبب الذي أفضى بهم إلى هذا الجزاء العظيم وهو أعمالهم، ودلت على السبب الذي تمكنوا به من القيام بهذه الأعمال وهو الصبر لقوله تعالى: {بِمَا صَبَرُوا} ومن أعظم الحكمة معرفة الأسباب والمسببات وارتباط بعضها ببعض، فلا ينهض بامتثال المأمورات وترك المنهيات إلاَّ من صبر، والصبر خلق من الأخلاق التي تتربى وتنمو بالمران والدوام، فواجب على المكلف أن يجعل تربية نفسه عليه وتعويدها به من أكبر همه، إذ لا يقوم بالتكاليف [1] 45/ 20 - 21 الجاثية.