المعنى:
ومن صفاتهم أنهم يدعن الله تعالى أن يصرف عنهم عذاب جهنم لأن عذابها عذاب شديد فادح ملح ملازم، ولأنها بئست المستقر الذي يستقر ويثبت فيه وبئست المقام الذي يقام ويمكث فيه.
رد واستدلال:
زعم قوم أن أكمل أحوال العابد أن يعبد الله تعالى لا طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره، وهذه الآية وغيرها رد قاطع عليهم ومثلها قول إبراهيم عليه وعلى آله الصلاة والسلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [1] في نصوص لا تحصى كثرة، وزعموا أن كمال التعظيم لله ينافيه أن تكون العبادة معها خوف من عقابه أو طمع في ثوابه، وأخطأوا فيما زعموا، فإن العبادة مبناها الخضوع والذل والإفتقار والشعور بالحاجة والإضطرار وإظهار العبد هذه العبودية بأتمها، ومن أتم مظهر لها أن يخاف ويطمع كما يذل ويخضع ففي إظهار كمال نقص العبودية القيام بحق التعظيم والإجلال للربوبية، ولهذا كان الأنبياء- عليهم وآلهم الصلاة والسلام- وهم أشد الخلق تعظيما لله، ومن أكثرهم خوفا من الله وتعوذا من عذاب الله، وسؤالا لما عند الله وكفى بهم حجة وقدوة، وأن هذه المقالة تكاد تفضي إلى صرح الرجاء والخوف، وعليهم مبني الأعمال لما فيهما من ظهور العبودية بالذل والإحتياج، ومن دعاء القنوت الثابت المحفوظ ((وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد)) وهذا ضروري في الدين. ولكن مثل هذه المقالة إنما يجر إليه الغلو وقلة الفقه في الدين في الكتاب والسنة وما كان عليه هدى السابقين الأولين. [1] 26/ 82 الشعراء.