والتصنع والتكلف قلما يسلم منهما أحد ولا يعصم من الخطأ مع هذه المغالطات كلها إلا الإمتحان والإختبار فاعتصم بهما.
إهتداء:
كل من اتصل بك من أهلك وبنيك وأبيك وأمك وأصحابك وعشيرتك وقومك وكل من ترتبط به برباط من أبناء جنسك- هو فتنة وامتحان لك هل تقوم بواجبك نحوه من جانب خير له أو دفع شر عنه أو جلب خير منه لغيره أو دفع شره عن غيره. وهل تكف يدك عن شيئه وتكف بصرك عما متع به وتسأل الله مما عنده من فضله؟ وإنما تقوم بواجبك نحوه مما تقدم وتكف يدك وعينك عنه وتسأل الله مما عنده راضياً بما قسم لك معتقداً الخير كل الخير في قسمته- إذا تذرعت بالصبر على إتيان ما يطلب منك إتيانه وإن كان عليك ثقيلاً. والكف عما يُطْلب منك الانكفاف عنه وإن كان منك قريباً وفي طبعك لذيذاً، وإنما يكون لك هذا الصبر إذا كنت دائم اليقين بعلم الله بك واطلاعه عليك وأنه كان بك بصيراً.
هذه الحقائق كلها هدتنا هذه الآية الكريمة إليها: هدتنا إلى أنَّا امتحنا ببعضنا، وأن الذي يخلصنا في هذا الإمتحان ويخرجنا سالمين هو الصبر، وأن حالتنا في الإمتحان منكشفة لمن سيجازينا عليها. فلنهتد بهدايتها إلى ما هدتنا إليه، ولنتدرع في هذا الإمتحان بالصبر المتين ولنستحضر في قلوبنا مراقبة الله لنا لتثبت قدمنا في مقام الصبر بروح اليقين، فبذلك نخرج- إن شاء الله تعالى- من نار الفتنة ذهباً خالصاً نقياً، وجوهراً طيباً زكياً فنسعد في الدارين برضى رب العالمين، والله ولي التوفيق [1]. [1] ش: ج1، م 8، ص 7 - 12
غرة شوال 1350 - فيفري 1932