مكناهم منه من أسباب السلطان على غيرهم من الخلق من عالم الجماد والنبات والحيوان، وتسخير هذه العوالم لهم يحصلون منها منافعهم، فأوصلنا إليهم هذه النعم وكرمناهم بها فنفعناهم ورفعنا أقدارهم". ومن هذا التكريم والإنعام الذي فيه المنفعة وفيه الرفعة أننا سخرنا لهم ما يركبونه في البر والبحر ومكناهم من أسباب تسييره والإنتفاع به وإننا بثثنا لهم على وجه الأرض أنواعاً من المآكل والمشارب اللذيذة المباحة من النبات والحيوان والجماد، فخلقناها صالحة لغذائهم ومكناهم من أسباب تحصيلها وإصلاحها والتفنن فيها. فكان لهم بذلك كله زيادة بينة من نعمتنا، وفضل محقق على كثير من مخلوقاتنا.
مسائل:
المسألة الأولى: تكريم الله تعالى لخلقه، قسمان: أحدهما عام والآخر خاص، فأما العام: فهو إخراجه لهم من العدم إلى الوجود، وإعطاؤه لكل شيء من خلقته اللائقة به من تركيب أجزاء ذاته وتعديل مادة تكوينه ومن أعضائه- إذا كان من ذوي الأعضاء- التي يحتاج إليها في حياته لجلب ما ينفعه ودفع ما يضره، وهدايته وإلهامه ما خلق صالحاً لذلك إلى استعمال تلك الأعضاء وطرق الجلب والدفع بها.
وأما الخاص: فهو تكريمه وإنعامه على عباده المؤمنين بنعمة الإسلام في الدنيا، وبدار السلام في الأخرى. والتكريم المذكور في هذه الآية من القسم الأول العام كما سيتبين في المسألة الرابعة.
المسألة الثانية: جميع المخلوقات التي أخرجها الله تعالى من الوجود إلى العدم وإن كانت متساوية في أصل التكريم العام. فإنها متفاوتة فيه بحسب تفاوتها في شرف الذات وكمال الخلقة. فعالم النبات أكثر حظاً في التكريم من عالم الجماد، وعالم الحيوان أكثر