{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} أبلغ في النهي من ولا تزنوا، لأنه بمعنى ولا تدنوا من الزنا. وأفاد هذا تحريم الزنا وتحريم الدنو منه، لا بالقلب ولا بالجوارح، فقد جاء في الصحيح: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة. العينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليدان زناهما البطش والرجل زناها الخطى والقلب يهوى ويتمنى. ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه". فزنا هذه الجوارح دنو من الزنا الحقيقي ومؤد إليه، وقد حمى الشرع الشريف العباد من هذه الفاحشة بما فرض من الحجاب الشرعي. وهو ستر الحرة ما عدا وجهها وكفيها وجمع ثيابها عند الخروج بالتجلبب، وبما حرم من تطيب المرأة وقعقعة حليها عند الخروج، وخلوتها بالأجنبي واختلاط النساء بالرجال، فتضامر النهي والتشريع على أبعاد الخلق عن هذه الرذيلة. والمسلم المسلم من تحرى مقتضى هذا النهي وهذا التشريع في الترك والإبتعاد.
معالجة هذه الرذيلة، بتقبيحها، وسوء عاقبتها:
بين تعالى قبحها بقوله: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً}. والفاحشة هي الرذيلة التي تجاوزت الحد في القبح، وعظم قبح الزنا مركوز في العقول من أصل الفطرة كان ولم يزل كذلك معروفاً. ومن رحمة الله تعالى بخلقه أن ركز في فطرهم إدراك أصول القبائح والمحاسن- ليسهل انقيادهم للشرع عندما تدعوهم الرسل إلى فعل المحاسن وترك القبائح وتأتيهم بما هو معروف في الحسن أو القبح لهم، فتبين لهم حكم الله فيه وما لهم من الثواب أو العقاب عليه.
وبيَّن تعالى سوء عاقبة الزنا بقوله: {وَسَاءَ سَبِيلًا} أي بئس طريقاً طريقه. طريق مؤد إلى شرور ومفاسد كثيرة في الدنيا، وعذاب عظيم في الآخرة، فهو طريق إلى هلاك الأبدان وفساد الأعراض، وضياع الأموال وخراب البيوت وانقطاع الأنساب وفساد المجتمع