يتشابهون في تركيب أجسامهم، ثم لا بد من فروق تتمايز بها شخصياتهم، ويتبع هذا الإختلاف إختلافهم في إدراكهم وتمييزهم وأخلاقهم وعاداتهم في ظلالهم وهداهم، وفي درجات الهدى ودركات الضلال. كل هذا دال على بديع صنع الخالق القدير، وعجيب وضع العليم الحكيم. فمكنهم تعالى كلهم من الأسباب وإدراك العقل وحرية الإرادة، ثم فضل بينهم هذا التفضيل. فكان منهم المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والشقي والسعيد، إلى تقسيم كثير. وفقه أسباب هذا التفضيل هو فقه الحياة والعمران والإجتماع، فلذا أمر تعالى بالنظر في أحوال هذا التفضيل بقوله: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} وكيف سؤال عن الأحوال، والنظر المأمور به هو نظر القلب بالفكرة والإعتبار، والجملة في محل نصب على العامل عن لفظهما بكلمة الإستفهام.
وكما فضل بعض خلقه على بعض في دار الإبتلاء، كذلك فضل بعضهم على بعض في دار الجزاء، لكن التفضيل هنالك أكبر، والتفاوت بين العباد أظهر. في مواقف القيامة، وفي داري الإقامة، ويا بعد ما بين من في الجنة ومن في النار. وأهل النار متفاوتون في دركاتها، وأهل الجنة متفاوتون في درجاتها.
روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض)).
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق والمغرب لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله، تلك