نعمة الهواء والماء والغذاء والدواء من النبات والحيوان والجماد وكل ما يخرج من الأرض. وشاهدوا كلهم آيات الله الكونية الدالة عليه، وجاءتهم كلهم رسل الله بآياته السمعية داعية إليه. فاختار كل بعقله - وهو حر في إرادته حرية لا يمكن لأحد أن يكابر فيها- ما اختار لنفسه. وحجة الله بما تقدم قائمة عليه. وبقوا بعد ذلك الإختيار الذي اختلفت به منازلهم عند الله فيما أعد لهم يوم لقائه- سواء، في تلك النعم الدنيوية والتمكن من أسباب بقائها والتقدم فيها. لا فرق في ذلك بين بر وفاجر، ومؤمن وكافر، وهذا معنى قوله تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} وليس الله تعالى مانعا ًكافراً لكفره أو عاصياً لعصيانه من هذه الحياة وأسبابها، وليس أحد على منع ما لم يمنعه الله بقادر. وهذا معنى قوله تعالى: {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} والحظر المنع والمحظور الممنوع، وتركيب الآية يفيد أن عطاء الربِّ لا يمنع ولا يجوز أن يمنع، لأن من مقتضى ربوبيته دوام عطائه ومدده لعموم خلقه بعلمه وحكمته.
وقدم المفعول وهو {كُلًّا} رداً على من يعتقد أن الله تعالى يمد بعضاً دون بعض. وفيه إيجاز بالحذف، والأصل كلا الفريقين، يعني فريق مريدي العاجلة ومريدي الآخرة، و {نُمِدُّ} من الإمداد وهو المواصلة بالشيء، وذلك الشيء يسمى مدداً. وأصل المد البسط للشيء، فيستطيل ويتسع، ومنه مد يده ومدَّ شبكته، ومنه مد الله لك أسباب السعادة، أي بسطها ووسعها، والإمداد بالشيء والمواصلة به يكون به دوام فائدته وامتداد النفع به. والخلق كلهم في حاجة دائمة وفاقة مستمرة إلى مدد الله وعطائه وأنواع بره وإحسانه. وهو تبارك وتعالى لا يزال يواصلهم في كل لحظة من وجودهم بما يحتاجون إليه من فيض عطائه. وأضاف العطاء للرب