لها منها إرادة قوية في الفعل والترك تملك بها زمامها، تلك الإرادة التي لا تكون إلا عن عقيدة راسخة في النفس ويقين مطمئن به القلب. ولذا كان هذا الضرب من ذكر القلب متفرعاً عن الضرب الأول ومبنياً عليه.
الثالث: استحضار عظمة الرب وإنعامه وما يستحقه من القيام بحقه عند كل فعل وترك فيفعله بإذنه لوجهه ويترك بإذنه لوجهه. ولا يدوم هذا الإستحضار إلا إذا رسخت العقيدة التي هي من مقتضى الضرب الثاني، ودامت الفكرة التي هي من مقتضى الضرب الأول، فهو متفرع عنهما ومتوقف عليهما. وهذا الضرب هو أساس التقوى وهو المراد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [1]}.
فإن الذكر المناسب لمواطن الحرب هو استحضار عظيم حق الله على العبد في القيام بذلك الفرض، واستحضار وعده ووعيده، مما يقوي القلب ويكسب الجرأة والثبات وانتظار النصر- دون كثرة الذكر اللساني- فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: طلب الصمت عند جلبة العدوِّ وصخبه. وهو المراد أيضاً في قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [1]}. فإن الإبتغاء من فضل الله هنا هو التصرف بوجوه التجارة والكسب وليس ذلك مما يناسبه ذكر اللسان كثيراً، فإن ذكر اللسان يطلب فيه التدبر، وأن ذلك غير متيسر للمشتغل بالبيع والشراء، [1] 46/ 8 الأنفال.
(2) 62/ 10 الجمعة.