responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 371
يرجع إليه ما في الرجل من نزعات دينية قوية وخلال روحية مستحكمة، ويرجع إلى هذين ما في الرجل من ملكة عربية عريقة الأصل قوية الأسر ومن بيان قوي التأثير نافذ السحر، ثم تأتي الفتوحات الإسلامية فيُكتب لأحد أجداده الخروج من جزيرة العرب الأولى إلى جزيرتهم الثانية (الأندلس)، وإنّ لله فيمن ساقهم سائق الفتح من إحدى الجزيرتين إلى الأخرى لَحكمةً ظهرت آثارها فيما شيّد للغة العرب وآدابها من بنيان، وفيما تمكّن لهما من سلطان.
ويكفينا ابن خلدون نفسه مؤونة البحث عن أجداده في الإسلام فيقول: إن سلفه استوطنوا (إشبيلية)، وكانت لهم بها نباهة وذكر وامتياز بالوظائف العالية، وكل ذلك مما مهّد لهذه النفس الكبيرة التَّبَوُّؤُ في العالم الذي ظهرت فيه، وببيّن أن أحد أجداده الأدنين انتقل من الأندلس إلى (بونة) ومنها إلى (تونس)، وما كاد يطوي التاريخ منهم اثنين حتى ظهر فيهم من طوى التاريخ في ملاءته وهو أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون، إذن فليس بين هذا العظيم وبين تلمسان شابكة إلّا ما عسى أن يكون من اتصال في الروايات العلمية لأحد أجداده، والروايات العلمية هي الرابطة الكبرى في تلك العصور بين تلمسان والأندلس، فالرجل حضرمي أندلسي تونسي، ولكن قدّر له ولتلمسان أن يكون بينهما ما هو أقوى على الدهر من وشائج الأرحام، وهو ما لقّنه وهو بتونس من علماء تلمسان الذين كانوا في ركاب السلطان أي الحسن المريني، فكأن تلمسان أرادت، إذْ لم يصلها العظيم، أن تصله، وإذ لم يكن من أبنائها أن تتبنّاه.
ومن هنا تبتدئ العلائق بين تلمسان وابن خلدون، وهي في أوّلها علمية وسنعرف ما آخرها، وكان ابن خلدون وهو أعلم الناس بقيمة تلمسان العلمية في عصره، كان يزمع الرحلة إليها لاستكمال معلوماته وإرواء نفسه الظمأى من مناهلها، فتعجلت تلمسان له ذلك بما أوفدت مع السلطان أي الحسن إلى تونس من علمائها وهم (علماء الدنيا).
يقصّ ابن خلدون في بيان رائع أثناء خاتمة تاريخه وفي معرض اكتساح السلطان أبي الحسن لافريقية- حكاية ملاقاته بهؤلاء الأعلام من علماء الأندلس وتلمسان، وبذكر ذلك البيان في نخوة كيف كان يتردد عليهم لتغذية نفسه، فيفهم القارئ المتنعّم أن اجتماعه بهم لم يكن عن داع بسيط كما يندفع طالب العلم إلى الأخذ عمن هو أعلم منه، وان هناك لطيفة روحانية جذبته إلى هؤلاء الأعلام ومؤثرًا نفسانيًا وهو سمعة تلمسان في أذنه ومكانتها في قلبه وشهرتها العلمية في ذاكرته، واننا نراه يذكر اسم الإمام الآبلي التلمساني في مقدمته مرارًا في صورة استفتاء في دقائق اجتماعية فلسفية، فيصدر عن رأيه ويشهد له بالتمكن وقوة العارضة، فنفهم السرّ فيما كان متأثرًا به من تلمسان وشهرتها الفنية في ذلك العصر، ثم قدّر الله أن ينغمس في السياسة وخدمة الدول، واستشرفت نفسه إلى تحقيق ما هي مستعدة له من ذلك، ولم يجد في الدولة الحفصية التي نشأ في ظلّها بتونس ما يشبع نهمته لأنها فرع دولة هرِمت وماتت، ففيها من آثار الهرم والموت ما سيلحقها بأمّها.

نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 371
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست