responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 356
والمستعاذ منه تارة يوسوس للإنسان بما يفسد عليه صلته بربه، وتارة بما يفسد عليه تدبيره وما شرع له لمنفعته وصلاحه، وتارة بما يفسد عليه عبوديته له وهي أشرف علائقه به وأقوى صلاته، وجماع ذلك أن يبعده عن الله بالوسوسة بواحدة من هذه أو بكلها أو بما يتفرع عنها مما تضمنته الآيات المبينة لأفعال أصل هذه القوّة الموسوسة مثل قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}. أو لذلك الشأن الجاري مجرى الحوار بين إبليس وخالقه كقوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}. وكقوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}. وكقوله تعالى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}. فهو جاهد في أن يبعد الناس عن الله بإفساد العقيدة الصحيحة فيه، أو بالصرف عن شرع الله، أو بالحمل على عبادة غيره، فلذلك كله جاء الترتيب على هذا النمط المذكور بتلك العلائق القوية التي يريد الشيطان أن يقطعها.
والرب رب الناس وغيرهم، بل رب العالمين، وإنما خص الناس بالذكر لأنهم هم هدفه ومرمى وسوسته. ولأنهم هم المأمورون بالاستعاذة منه، ولأن عالم التكليف أشرف، فإليهم يوجّه الخطاب وإليهم يساق التحذير، وهذه الوسوسة نتيجة للعداوة بين أصليهما، فأمر الله بالاستعاذة منها هو تسليح إلهي لبني آدم لتثبيت سنّة التعمير التي هي حكمة الله من وجودهم.
ونكتة أخرى في تخصيص الناس بالذكر دون بقية أفراد المربويين وهي أنهم هم الذين ينطبق عليهم ناموس الهداية والضلال. وقد ضلوا بالفعل في ربويية الله وفي ألوهيته. ضلوا في الربوبية باتخاذ المشرعين ليشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، ويصدّوهم عما شرع الله. وضلوا في الألوهية بعبادة غير الله بما لا يعبد به أحد غيره كالدعاء.
واختير لفظ الناس من بين الألفاظ المشاركة له في الدلالة كالبشر والبرية، لأنه يَنُوسُ ويضطرب وينساق، وهي صفات يلزمها التوجه ويسهل التوجيه فلا غنى لصاحبها عن توفيق الله للوجهة الصالحة والتسديد فيها ما دام لا يملك لنفسه ذلك، وما دام محاسبًا عليه، وما دامت هناك قوّة مسلطة تنزع به إلى الشر.
ففي تخصيص الناس بالذكر تنبيه إلى أنهم أحوج المربُويِينَ إلى تأييد الله وأحقهم بطلب ذلك منه، وقد أرشدهم إلى ذلك وله الحمد.
ولو تفقه الناس في معنى اسمهم واشتقاقه لعلموا بفطرتهم أنهم مخلوقات ضعيفة لا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا، ولأيقنوا أنه لا بد لهم من رب يربيهم ويحميهم، ومالك يدبر أمورهم، وإله يعبدونه ويتخذون العبودية له جُنَّة من استعباد الأقوياء.
ويجوز- إذا راعينا الأدب وكمال التنزيه في حمل الألفاظ التي تضاف إلى كلمة رب على أشرف معانيها- أن تحمل كلمة (الناس) على معنى أخص مما يتناوله عموم الجنس،

نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 356
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست