responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 353
الكون، وكم فسرت لنا حوادث الزمن واكتشافات العلم من غرائب آيات القرآن ومتون الحديث، وأظهرت منها للمتأخرين ما لم يظهر للمتقدمين، وأرتنا مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم - في وصف القرآن: "لا تنقضي عجائبه".
والعلماء القوامون على كتاب الله وسنة رسوله لا يتلقونهما بالفكر الخامد والفهم الجامد، وإنما يترقبون من سنن الله في الكون وتدبيره في الاجتماع ما يكشف لهم عن حقائقهما، ويكلون إلى الزمن وأطواره تفسير ما عجزت عنه أفهامهم، وقد أثر عن جماعة من فقهاء الصحابة بالقرآن قولهم في بعض هذه الآيات: لم يأت مصداقها أو تأويلها بعد. يعنون أنه آتٍ وأن الآتي به حوادث الزمان ووقائع الأكوان وكل عالم بعدهم فإنما يعطي صورة زمنه بعد أن يكيف بها نفسه.
ولو أننا عرضنا حديث التربة والريقة على طائفة من الناس مختلفة الأذواق متقسمة الحظوظ في العلم وسألناهم: أية علاقة بين الشفاء وبين ما تعاطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - من أسبابه في هذا الحديث؟ فماذا تراهم يقولون؟
يقول المتخلف القاصر: تربة المدينة بِرِيق النبي - صلى الله عليه وسلم - شفاء ما بعده من شفاء.
ويقول الطبيب المستغرب: هذا محال، في التراب (مكروب)، وفي الريق (مكروب)، فأنَّى يَشْفيان مريضًا أو ينفسان عن مكروب.
ويقول الكيمياوي: ها هنا تفاعل بين عنصرين، ودعوا التعليل، فالقول ما يقول التحليل.
ويقول ذوو المنازع القومية والوطنية، ولو كانوا يدينون بالوثنية: آمنا بأن محمدًا رسول الله. فقد علّم الناس من قبل أربعة عشر قرنًا أن تربة الوطن معجونة بريق أبنائه تَشْفي من القروح والجروح، ليربط بين تربته وبين قلوبهم عقدًا من المحبة والإخلاص له، وليؤكد فيها معنى الحفاظ له والاحتفاظ به، وليقرر لهم من منن الوطن منّة كانوا عنها غافلين، فقد كانوا يعلمون من علم الفطرة أن تربة الوطن تغذي وتُروي، فجاءهم من علم النبوة أنها تَشْفي، فليس هذا الحديث إرشادًا لمعنى طبي، ولكنه درس في الوطنية عظيم، ولو أنصف المحدثون لما وضعوه في باب الرقى والطب، فإنه بباب حب الوطن أشبه. وما نرى رافع العقيرة بقوله:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة … بوادٍ وحولي إذْخر وجليل
وهل أرِدَنَّ يومًا مياه مجنة … وهل يبدوَنَّ لي شامة وطفيل
إلّا سائرًا على شعاعه. وما نرى ذلك الغريب المريض الذي سئل فيم شفاؤك؟ فقال: شمة من تربة اصطخر، وشربة من ماء نهاوند إلّا من تلامذة هذا الدرس، ولقد زادنا إيمانًا به بعد

نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 353
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست