responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 176
والحقيقة أن الطرقيين أرادوا أن يصبغوا طرقهم بالقدسية الدينية فانتحلوا لها هذه الأباطيل وأعطوها خصائص الدين كلها. ألم تر أنهم يعدون الخروج من طريقة ولو إلى طريقة أخرى كالارتداد عن الدين يموت فاعله على سوء الخاتمة قبحهم الله؟ فما هو إلّا خروج من ضلالة إما إلى هدى وإما إلى ضلالة أشنع. ولما فضحناهم من هذه النواحي كلها لجأوا إلى العامة يستصرخونها باسم الغيرة على الأوائل ... وأن كثيرًا منهم ليعني بالأوائل أباه القريب وجده. وقد كان في هؤلاء الأوائل الذين يعنونهم من ينتحل ظواهر من التدين، وفيهم من يفعل فعل الأبالسة. ونحن أدركنا كثيرًا منهم وبلونا أخبارهم فوجدنا ظواهر مموهة على بواطن مشوهة، وأكبر جرحة دينية فيهم عندي إقرارهم لتلك الأماديح الشعرية الملحونة التي كان يقولها فيهم الشعراء المتزلفون، وينشدونها بين أيديهم في محافلهم العامة، وفيها ما هو الكفر أو دونه الكفر من وصفهم بالتصرف في السموات والأرضين، وقدرتهم على الإغناء والإفقار وإدخال الجنة والإنقاذ من النار. دع عنك المبالغات التي قد تغتفر، كل ذلك وهم ساكتون، بل يعجبون لذلك ويطربون، ويثيبون المادح علمًا منهم أن ذلك المديح دعاية مثمرة تجلب الأتباع وتدر المال. ولو كانوا على شيء من الدين لما رضوا أن يسمعوا تلك الأماديح وهم يعلمون كذبها من أنفسهم، ويعلمون أن فيها تضليلًا للعامة وتغريرًا بعقائدها، وأن تلك الأماديح المنشورة بين الناس في وطننا هذا هي سر انتشار الطرقية وتغولها فيه، وقد سمعنا الكثير منها ولنا فيها وفيمن قيلت فيه فلسفة خاصة، سنفردها بالكتابة في فرصة أخرى إن شاء الله.
وبالجملة، فهذا الطراز الطرقي الذي أدركناه من آباء وأبناء يجمعهم قولك طلاب دنيا وعباد شهوات. ولو أكلوا أموال الناس بالباطل من غير أن يتخذوا الدين شباكًا لهان أمرهم على الناس ولاتّقوهم بما يتقون به اللصوص، ولوكلناهم نحن إلى القوانين والوزعة. فأما أن يعبثوا بالدين كل هذا العبث، وبما حرم الله من أعراض المسلمين وأحوالهم ثم يريدون أن نسكت عنهم كما سكت العلماء من قبلنا، فلا والله ولا كرامة.
ولعل أسخف طور مر على الطرقية في تاريخها هو هذا الطور الأخير. فقد أصبح من أحكامها أن شيخ الطريقة لا يلد إلّا شيخ طريقة. وهم- قطع الله دابرهم- لا يعرفون من السنة إلّا تناكحوا تناسلوا إلخ، فكثر نسلهم وكثرت بكثرته (مشائخ الطرق)، وأصبح أمر هذه المشيخة لا يتوقف على تربية ولا تسليك ولا إجازة، وإنما يتوقف على قاعدة "خبز الأب للابن" أو على شيء آخر وهو التولية الحكومية مثل ما نعلم عن مصر وتونس والجزائر من صدور الإرادات السنية والأوامر العلية والمراسيم الحكومية بولاية المشيخة الطرقية. فيا للسخرية ...
وأغرب من هذا أننا رأينا لأول مرة في تاريخ الطرقية شيخ الطريقة بالانتخاب عند الطائفة العليوية المجددة العصرية (المودرن).

نام کتاب : آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي نویسنده : البشير الإبراهيمي    جلد : 1  صفحه : 176
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست