مقدمة:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ:
فلا يخفى أنَّ من مقاصد الشرع تعبيدَ الناس لرب العالمين، قال الشاطبي: "المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلَّف من داعية هواه، حتى يكون عبدًا لله اختيارًا، كما هو عبد لله اضطرارًا" [1] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/22709/#_ftn1)، ومقتضى هذا المقصد التِزام الشرع المطهَّر في المعتقد، والعبادة، والمعاملة، والخُلُق، والأدب، ولا شكَّ أنَّ من أعظم وظائف الإنسان الخليفة ما نصَّ عليه المولى - سبحانه - في كتابه في قوله: ? كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ? [البقرة: 151]، وقوله - سبحانه -: ? لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ? [آل عمران: 164]، وقوله - سبحانه -: ? رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? [البقرة: 129]، وهي دالَّة على الارتِباط بين التعليم والتزكية كما هو ظاهر من منطوقها؛ لهذا كان من مقاصد الشرع تزكية النفوس، وعدَّه بعض أهل العلم من المقاصد الكليَّة العُليَا؛ فيكون أسوة بمقصد التوحيد، وإذا كانت التزكية والتربية بهذه المثابة، فإنَّ القيام على خلافها يُعتَبَر نشازًا وانحِرافًا عن الجادَّة والسبيل، ومن أفراد هذا الانحِراف ما شاع بين طلبة العلم في المدارس والثانويات من إخلال بأمانة التعليم، وخروجٍ عن سبيل التربية التي تُعَدُّ مقصدًا من مقاصد القائمين على مسالكها ومناشطها، ومن أعظم مظاهر الإخلال ما نلمَسُه من انتشار ظاهرة الغش بين طلابنا بصورة جليَّة، وممَّا زاد الأمر خطورةً أنَّ هناك مَن يُيسِّر ويُسهِّل للطلاب الوقوع في هذه الظاهرة الخطيرة، والتي تُعَدُّ كبيرةً من كبائر الذنوب كما سيظهر لنا من خِلال أدلَّة الشرع، وخاصةً من بعض القائمين على الجانب التربوي والتعليمي، سواء في ذلك المعلِّمون والإدارِيُّون، ولا يتوقَّف الأمر في انتشار الظاهرة السوء هذه على مدارس التربية والتعليم، بل شملت المؤسسات التعليميَّة الأخرى؛ كالجامعات والمعاهد العلمية والتقنية؛ وعليه لا بُدَّ من الوقوف في وجه هذه الظاهرة، وتكثيف الجهود من أجل القَضاء عليها، ولا شكَّ أنَّ من الوسائل المُعِينة إشاعةَ الثقافة الشرعيَّة في الأوساط التعليميَّة والتربويَّة بشتَّى صُوَرِها، وفي هذا المِحْوَر سنُحاوِل الوقوف على الرؤية الشرعية التي تُظهِر الحكمَ الشرعي لهذه الظاهرة، وقد جعلناها في جملة مطالب وفقًا لما يأتي:
المطلب الأول: في مفاهيم الدراسة وما يُقارِبها.
المطلب الثاني: حكم الغش وأنواعه.
المطلب الثالث: تحقيق المَناط في ظاهرة الغش في التعليم.
المطلب الأول: في مفاهيم الدِّراسة وما يُقارِبها:
يقتَضِي الحديثُ عن ظاهرة الغشِّ تسكينَها في إطارها المفاهيمي، وهُناك جملةٌ من المفاهيم التي تقتَرِب من الظاهرة معنى لا لفظًا ينبغي الوقوفُ عندها وإدراكُ مضمونها وفَحواها بغيةَ التعرُّف على المنظومة التي تشكِّل الإطار المفاهيمي الذي نحن بصدد جعْل بحثنا في حدوده المصطلحيَّة، وتحديد الإشكالات المنهجية والمجالية المحيطة به، وما يترتَّب عليها من آثار نفسية ومجتمعية خطيرة.
الأول: مفهوم الغش:
¥
نام کتاب : أرشيف ملتقى أهل الحديث - 1 نویسنده : ملتقى أهل الحديث جلد : 128 صفحه : 43