نام کتاب : أرشيف ملتقى أهل الحديث - 1 نویسنده : ملتقى أهل الحديث جلد : 128 صفحه : 243
ولا ذاك .. وأنّ الواقع مع ما يشهد من ضعف مشاركة المرأة في المجالات الاجتماعيّة، وقلّة بروزها في شتّى الميادين قد أدّى إلى خلل فظيع في واقع الناس الفطريّ والاجتماعيّ، فكيف لو كانت مشاركة المرأة وحضورها الاجتماعيّ يتناسب مع عددها في المجتمعات.؟!
فقد نشرت مجلّة المجتمع في عددها /1387/ 4 من ذي القعدة 1420 هـ 8/ 2/2000 م: " أنّ دراسة أوروبيّة حديثة أثبتت أنّ المواقع القياديّة بالمؤسّسات الأوربيّة لا تزال مقصورة على الرجال، فقد أكّدت دراسة تضمّنت استطلاعاً لواقع /1500/ شركة أوربيّة حقيقة غياب المرأة في أعلى السلّم الإداريّ للمؤسّسات ". " وتبين أنّ أكثر من نصف الشركات الألمانيّة ليس لديها أيّ امرأة في مواقعها القياديّة العليا بينما لم تحز سوى امرأة واحدة موقعاً إداريّاً رفيعاً في 25% من الشركات، حسب الدراسة التي تمّت لحساب شركة " يو بي إس " لخدمات نقل الطرود في مدينة نويس الألمانيّة ". " وتؤكّد دراسة أوربيّة أخرى تجرى بشكل سنويّ منذ عام 1992 م لحساب " يوروب بزنيس مونيتور " الهزال الشديد الذي يعتري الحضور النسائيّ في المستويات القياديّة للشركات الأوربيّة، التي يزيد دخلها السنويّ على مليار ونصف المليار دولار برغم أنّها تضمّ في المعدّل /3500/ موظّف ".
وعلى ضوء ما سبق، وكيلا تُبخَس الأمّ التي تحبس نفسها على رعاية أبنائها حقّها، ويقول قائل قاصر الرأي والنظر، أو مغرض مستهتر بحقّ الفطرة وقانونها، ويطلب منها ما لا يطلبه من نفسه: أين عمل المرأة وتأثيرها في المجتمع الذي تعيش فيه.؟ أين منها الأديبة والكاتبة.؟ والصحفيّة أو الباحثة.؟ وأين منها المفكّرة والمنظّرة.؟ أو الإداريّة الناجحة.؟ أو الداعية المؤثّرة.؟ ويجعل ذلك مقياس تقدّم المجتمع أو تأخّره .. كيلا يكون ذلك أو شبه ذلك، فإنّني أقترح اعترافاً منّا بحقّ المرأة التي تحفظ على أبنائنا فطرتهم، وترعى لهم نشأتهم وحفظاً له: أن تقرّر لها النظم الاجتماعيّة والدول حقّاً مادّيّاً أسمّيه: " حقّ الأمومة "، هذا الحقّ تعطاه خالصاً لها عن كلّ طفل تنجبه، وتحبس نفسها على تربيته ورعايته، ولوكانت غنيّة مقتدرة، اعترافاً لها من المجتمع بعظم الواجب الذي تقوم به، وكيلا يظنّ ظانّ أنّ ما هي فيه هيّن يسير، هو أقلّ شأناً، وأدنى حظّاً من المرأة المعلّمة أو الأديبة، أو الكاتبة أو الباحثة أو الطبيبة أو الداعية .. وإنّ الفرق بين المرأة الأمّ وهؤلاء النساء أنّ الأولى، وهي تؤدّي وظيفتها الفطريّة ساعية في خدمة الأمّة أوّلاً وآخراً ..
وأمّا الأخريات فإنّهنّ ساعيات في حظّ أنفسهنّ أوّلاً، ثمّ في خدمة أمّتهنّ ثانياً .. وفرق كبير بين الفئتين. وحقّ الأمومة الذي نراه لا يقتصر على عناية الأمّ بجسد طفلها منذ الولادة وإلى سنّ الثالثة أو الرابعة مثلاً، حيث تشتدّ حاجته إلى مثل هذه العناية .. وإنّما تشمل إلى جانب ذلك: العناية النفسيّة العاطفيّة، والعناية العقليّة الفكريّة، وتمتدّ إلى سنّ التاسعة أو العاشرة، لنطمئنّ على خروج الطفل من محضن الأمومة سويّاً في كلّ جانب من جوانب فطرته وكيانه .. وليس هذا الاقتراح بدعاً على منطق الإسلام وروح تشريعه، والسوابق التاريخيّة في عمل الخلفاء الراشدين، وما سنّوه من سنن حسنة، لتحقيق الرعاية الاجتماعيّة لأبناء الأمّة بصورة مثاليّة، تعدّ قمّة من القمم السامقة في تقدير المسئوليّة والقيام بها حقّ القيام،
فقد ثبت أنّ عمر بن الخطّاب ? فرض لكلّ مولود في الإسلام حظّاً من بيت مال المسلمين، فلم لا يفرض لأمّه التي تقوم بحقّ الأمومة من التربية والرعاية وحسن التنشئة حظّ في بيت مال المسلمين لتشجيعها على القيام بهذه المهمّة على أكمل وجه.؟! وأرى أنّ المرأة لا تستحقّ ذلك إلاّ إذا اجتازت دورة تربويّة متكاملة، منظّمة بعناية، ترفع مستواها العلميّ والعمليّ والتربويّ، وتؤهّلها للقيام بمسئوليّاتها وعملها على خير وجه. فهل بعد ذلك يقول قائل: أين المرأة في واقعنا.؟ وكأنّه لا يرى الأمّهات الفضليات، وهنّ يسهرن الليل، ويتعبن في النهار، يرهقن أبدانهنّ، ويضنين أنفسهنّ، وكأنّه يستقلّ عملهنّ، وهنّ يتابعن أولادهنّ، ويحرصن على رعايتهنّ وحسن تنشئتهنّ. إنّني قلت، ولازلت أقول لكلّ أمّ مثاليّة تقوم بحقّ الأمومة، وحقّ الزوجيّة، وتقدّر عظمة مسئوليّتها: " إنّ كلّ أمّ تنجح في تربية طفل واحد تستحقّ أن تمنح شهادة دكتوراة في التربية .. "، فكيف لو ربّت ثلاثة أطفال؟ وكيف لو ربّت خمسة أطفال أو عشرة.؟ إنّ كثيراً منّا نحن الرجال ـ وكثيراً من النساء أيضاً ـ نستهين بعظم المسئوليّات التي تنهض بها الأمّهات والنساء بوجه عامّ، مع أنّنا نردّد في مناسبات متعدّدة، ولعلّنا نقول ذلك بنوع من المجاملة أو الاستغراب: " ابحث عن المرأة في حياة الرجل "، أو " وراء كلّ رجل عظيم امرأة " .. ولعلّ بعض الناس يفهمون المقولة الأولى في جانبها السلبيّ فحسب.! فهل نحن حقيقة نعتقد بصدق هذا القول، أم أنّ الأمر لا يعدو كلمة مجاملة معسولة، تدغدغ العواطف، وليس لها من رصيد في العقول أو السلوك.؟! وبعد؛ فلن ننسى أبداً أنّ المرأة المسلمة التي تقوم بحقّ الفطرة حقّ القيام هي أمّ المفكّرين والعلماء .. وأمّ الدعاة والهداة .. وأمّ القادة والشهداء .. وأمّ المبدعين والنبغاء .. وزوجة هؤلاء أيضاً .. وملهمتهم لكلّ خير وعطاء ..
نام کتاب : أرشيف ملتقى أهل الحديث - 1 نویسنده : ملتقى أهل الحديث جلد : 128 صفحه : 243