responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أرشيف ملتقى أهل الحديث - 5 نویسنده : ملتقى أهل الحديث    جلد : 1  صفحه : 480
ومن الثاني: قصة حمزة بن محمد الكناني الحافظ (ت357هـ)، قال: "خرجت حديثاً واحداً عن النبي صلى الله عليه وسلم من مائتي طريق، أو من نحو مائتي طريق، فداخلني من ذلك الفرح غير قليل، وأعجبت بذلك. قال: فرأيت ليلة من الليالي يحيى بن معين في المنام، فقلت له: يا أبا زكريا، خرجت حديثاً واحداً عن النبي صلى الله عليه وسلم من مائتي طريق! قال: فسكت عني ساعة، ثم قال: أخشى أن يدخل هذا تحت (ألهكم التكاثر) () " ().

فما هو معنى تلك العبارات؟ مع ما ندعو إليه من التخصص في علم الحديث.

فأقول: أما ما جاء في ذم من لم يجمع مع الحديث فقهاً، فلا يعارض كلام من كان من الناس بقوله النبي صلى الله عليه وسلم الذي سبق ذكره، مما يدل على مشروعية بل استحباب ما عابه ذلك العائب.

ثم إن الذي صدر منه ذلك الذم أحد رجلين:
- إما أنه من أهل العلم والفضل، وحينها يحمل كلامه على ذم من قصر فيما لا يجوز التقصير فيه من الفقه بالفروض العينية ونحوها، مما تقدم ذكره.
- وإما أن هذا الذام من أهل الرأي وأصحاب البدع، الذين يعادون السنة وأهلها، وينفرون من علومها؛ وهؤلاء لا وزن لمدحهم وذمهم، بل ربما كان ذمهم مرجحاً كفة المذموم على الممدوح منهم!!

وأما ما ورد من عيب إفناء العمر في تتبع طرق الأحاديث وجمع الأسانيد، فليس الأمر على إطلاقه.

فهذا يحيى بن معين الذي رآه حمزة الكناني يذم فعله في ذلك، يقول يحيى بن معين هذا: "لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه" ().
ويقول الإمام أحمد: "الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضاً" ().
وقال علي بن المديني: "الباب إذا لم تجمع طرقه، لم يتبين خطؤه" ().

إذن ما هو الأمر المعيب في تتبع الطرق وجمع الأسانيد؟
أجاب عن ذلك الخطيب البغدادي في كتبه، وحصر سبب عيب ذلك في أمرين:
الأول: جمع الأحاديث وقطع الأعمار في كتابتها، صحيحها وضعيفها وموضوعها، دون تمييز الصحيح بمزيد اعتناء، ولا معرفة الضعيف بعلته، ولا التنبيه على المكذوب والباطل؛ فهو جمع وتصنيف على الإهمال والإغفال، يضر أكثر مما ينفع.
يقول الخطيب في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع): "ينبغي للمنتخب أن يقصد تخير الأسانيد العالية، والطرق الواضحة، والأحاديث الصحيحة، والروايات المستقيمة. ولا يذهب وقته في الترهات، من تتبع الأباطيل والموضوعات، وتطلب الغرائب والمنكرات … (ثم قال) والغرائب التي كره العلماء الاشتغال بها، وقطع الأوقات في طلبها، إنما هي ما حكم أهل المعرفة ببطلانه، لكون رواته ممن يضع الحديث، أو يدعي السماع. أما ما استغرب لتفرد رواية به، وهو من أهل الصدق والأمانة، فذلك يلزم كتبه، ويجب سماعه وحفظه" ().

وقال الخطيب أيضاً: "ولو لم يكن في الاقتصار على سماع الحديث وتخليده الصحف، دون التمييز بمعرفة صحيحة من فاسده، والوقوف على اختلاف وجوهه، والتصرف في أنواع علومه، إلا تلقيب المعتزلة القدرية من سلك تلك الطريقة بالحشوية؛ لوجب على الطالب الأنفة لنفسه، ودفع ذلك عنه وعن أبناء جنسه" ().

الثاني: يقول في بيانه الخطيب في (شرف أصحاب الحديث): "إنما كره مالك وابن إدريس وغيرهما الإكثار من طلب الأسانيد الغريبة والطرق المستنكرة، كأسانيد: (حديث الطائر، وطرق حديث المغفر، وغسل الجمعة، وقبض العلم، وإن أهل الدرجات، ومن كذب علي، ولا نكاح إلا بولي .. وغير ذلك، مما يتتبع أصحاب الحديث طرقه، ويعنون بجمعة؛ والصحيح من طرقه أقلها. وأكثر من يجمع ذلك: الأحداث منهم، فيتحفظونها ويذاكرون بها. ولعل أحدهم لا يعرف من الصحاح حديثاً وتراه يذكر من الطرق الغريبة والأسانيد العجيبة التي أكثرها موضوع وجلها مصنوع، ما لا ينتفع به، وقد أذهب من عمره جزءاً في طلبه. وهذه العلة هي التي اقتطعت أكثر من في عصرنا من طلبه الحديث عن التفقه به، واستنباط ما فيه من الأحكام. وقد فعل متفقهة زماننا كفعلهم، وسلكوا في ذلك سبيلهم، ورغبوا عن سماع السنن من المحدثين، وشغلوا أنفسهم بتصانيف المتكلمين. فكلا الطائفتين ضيع ما يعنيه، وأقبل على مالا فائدة فيه" ().

¥

نام کتاب : أرشيف ملتقى أهل الحديث - 5 نویسنده : ملتقى أهل الحديث    جلد : 1  صفحه : 480
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست