والصغير، والغني والفقير ولكنا نعترف بأن أكثر صحفنا اليوم خرج عن هذا الوضع، وتباعدت عن هذا الوصف، فاستبدل أصحابها المفاسد بالفوائد والمضار بالمنافع، يهتون عرض هذا، ويأكلون لحم ذاك، ثم لا يكفيهم هذا حتى يدعى أحدهم أنه رب الحرية وزعيمها، وشيخ المسائل العمومية وأميرها، وأن لا غرض له في ثلب أعراض الناس وهتكها إلا إظهار الحقيقة، وخدمة الوطن، أمثال هؤلاء المتهورين أخرجوا الصحف عن وضعها وساروا بها في غير مسيرها ففرقوا الكلمة والصحيفة وضعت لجمها، ونفروا القلوب والصحيفة أنشأت لإئتلافها وعاثو في الأخلاق والصحيفة أسست لإصلاحها، وأماتوا اللغة والصحيفة وجدت لإحيائها، ولذلك كثر عدد عذالها، ونما جمع لوامها، وانقسم الناس فيها شيعاً وأحزاباً، فمن حادث عليها موجب لقراءتها، ومن مانع منها محرم لها، لا لوم على المانع، ولا حرج على المحرم، فإن الصحف بخروجها عن وضعها الأصلي صارت محط الصفات الذميمة، والأخلاق السافلة، يفتتح الإنسان الصحيفة من صحف اليوم فيرى من أخبارها أن فلاناً قد تولى المنصب الفلاني وهو خير كفوء له، وأحق قائم يقوم به لما له من الهمة الفائقة، والفكرة الصادقة، والخبرة والمعرفة والدهاء والذكاء، وحسن الإدارة والسياسة، وصدق القول، وطهارة الوجدان، وغير ذلك مما يدهش القارئ والسامع، والعالم والجاهل، ثم لا يكاد يتم سروره حتى يتناول بعد أيام عدد آخر من تلك الصحيفة فيراها تقول أن فلاناً (الممدوح بالأمس) قد جرد من منصبه وهو رديء الحال، سيئ السمعة، طائش الفكرة، عديم المعرفة، مبغض للخير، عدة للمعارف، هناؤه في شهوته، وراحته في لذته إلى غير ذلك من الوصاف الدنيئة، والنعوت الوضعية التي توجب على القارئ أن يحكم بداهة بتكذيب أحد الخبرين أن لم نقل بكليهما زد على ذلك ما إذا مر نظره على تلك الأخبار الواهية التي يتناقلها أكثر الصحافيين ولا يعلمون لها سنداً أو تلك الأسطر المشوشة للأفكار. الصدعة للخواطر الصغيرة حقيقتها ترجمتها، أو تلك المبالغات والزيادات التي أفسدت خلق الناشئة وهونت الغلو عليها، أمثال هذه السيئات اضطرت المانع أن يمنع والمحرم أن يحرم والقارئ أن يقيس الصحف بمقياس واحد ويحكم بهذا الحكم على سائر الصحافيين ولا يسعنا وأكثر الصحف مصبوغ بهذه الصبغة أن نصوب نحو هذا المندد سهم الاعتراض، ونصلت عليه سيف الانتقاد بل الواجب أن نتدارك ما فرط به بعضنا وننصح