نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 789
علاقة العبادات بالأخلاق.
ـ[د. خديجة إيكر]ــــــــ[11 - 10 - 2011, 09:00 م]ـ
إذا تتبعنا البناء الأخلاقي في القرآن الكريم، بغية رصده ومحاولة استخلاص أسسه ومقوماته، سنتهي إلى النتائج التالية:
- إن عدد آيات الأخلاق كبير جدا بالقياس إلى آيات الأحكام، حيث بلغ عددها أربعا وخمسمائة وألف آية، موزعة في مختلف سور القرآن الكريم مكيه ومدنيه، سفريه وحضريه، طويله وقصيره، مما يبين أهمية الأخلاق في المنظومة الإسلامية، ومن ثم يمكننا فهم الحصر الوارد في الحديث النبوي الشريف: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
- إن التربية لها أسبقية على العلم، فلا علم بدون أخلاق، بل قد يكون وبالا على صاحبه والناس أجمعين. ولذلك تمت الإشادة الربانية بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يكون قدوة في ذلك، يقول جل وعلا: (وإنك لعلى خلق عظيم) القلم /4.
- إن العلم خلق العقل، ذلك أن العقل هو خير قائد للإنسان إلى الفضائل، وأمنع عاصم له من الرذائل، شريطة أن يتصف بالعلم، يقول سبحانه: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة /11.
- إن العبادات ترتبط بالأخلاق ارتباطا وثيقا، فالمتأمل في التكاليف الشرعية يجد أنها وسائل لتحقيق غايات: فالصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، كلها وسائل للتخلق بمكارم الأخلاق والجمع بين كمال الصفات الباطنية والظاهرة.
# فالصلاة وسيلة، والغاية أن ينتهي الإنسان عن الفحشاء والمنكر، فمن لم تنهه صلاته عن ذلك فقد قصرت به الوسيلة عن بلوغ الغاية، يقول عز وجل: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت /45
# والصيام وسيلة لبلوغ التقوى ـ الائتمار بما أمر الله، والانتهاء عما نهى عنه - يقول جل جلاله: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة /182.
# وكذلك الزكاة ما هي إلا نوع من التكافل الاجتماعي، وإحساس الغني بالفقير، وإيجاد التراحم بين الناس، والتعاطف، لذا كان المن بإعطاء الزكاة للفقير مبطلا لها كما قال الحق تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) البقرة /264، إذ إن الزكاة لم تصل بصاحبها إلى غايتها وهي الرحمة والأخوة، والإحساس بأن للفقير حقا عليه، وأنه أخ له في الإسلام.
... وكذلك جميع الأوامر الإلهية ما هي إلا أخلاقيات كريمة، إذا سادت المجتمع صلح، وصلح أفراده، وعاش الناس في سلام ووئام. وكذلك جميع النواهي ما هي إلا نهي عن سوء الخُلق الذي يفسد ما بين الناس، فيفسد المجتمع وتضيع الحقوق، وتضمحل القِيم، فتنهار الأمة من داخلها.
- عدم اقتصار البعد الأخلاقي الإسلامي على مضمون العبادات بل تجاوزها إلى التوقيت، ومن هنا نستخلص وجها من أوجه حكمة ربط العبادات بأوقات معينة، فالله تعالى هو بارئ النفس الإنسانية، وهو العالم بسرها وجهرها، فهي تميل إلى التسويف في العبادات، وترغب دائما في تأجيل أداء الحقوق، لذلك أمرها الله تعالى بطاعته لأن في ذلك مصلحة لها، كما أمرها بأداء الفرائض والحقوق في مواقيت معينة خوفا من تهاونها وتسويفها.
- إن البناء الأخلاقي في الإسلام ليس مضمونا صلدا، بل هو منهج وطريقة عمل. فقد تحدث القرآن عن مجموعة من القيم كالصدق والإخلاص والمروءة والشجاعة والصبر والثبات وتحمل الشدائد والتضحية والشعور بالواجب والإحساس بالمسؤولية والنجدة والكرم والحرية والعدل والإحسان والمساواة. وحديثه عنها يعني إعمالَ منهج خيِّر في مختلف مجالات الحياة، ومن ثم فإن القرآن الكريم لا يعرض للقيم الأخلاقية إلا من خلال واقعة أو ممارسة، لأن الأخلاق في الإسلام منهج عمل وترشيد، وليست محتوى فكريا هيكليا فحسب، وليست كذلك إطارا دون مضمون ذلك أن من الخصائص المميزة للنظام الأخلاقي الإسلامي الجمع بين النظرية والتطبيق
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 789