نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 779
- (إنَّ العاقل إذا ملك جوهرة نفيسة وضاعت منه بغير فائدة، بكى عليها لا محالة، وإن ضاعت منه وصار ضياعها سبب هلاكه، كان بكاؤه منها أشد، وكل ساعة من العمر بل كل نفس، جوهرة نفيسة لا خلف لها ولا بدل منها، فإنَّها صالحة لأن توصلك إلى سعادة الأبد، وتنقذك من شقاوة الأبد، وأي جواهر أنفس من هذا؟ فإذا ضيعتها في الغفلة فقد خسرت خسراناً مبيناً، وإن صرفتها إلى معصية فقد هلكت هلاكاً فاحشاً، فإن كنت لا تبكي على هذه المعصية فذلك لجهلك، ومصيبتك بجهلك أعظم من كلِّ مصيبة، لكن الجهل مصيبة لا يعرف المصاب بها أنَّه صاحب مصيبة فإنَّ نوم الغفلة يحول بينه وبين معرفته، والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، فعند ذلك ينكشف لكلِّ مفلس إفلاسه، ولكل مصاب مصيبته، وقد رفع الناس عن التدارك).
القلب:
- (وليس لكلِّ إنسانٍ قلب، ولو كان لما صحَّ قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} فجعل من لم يتذكر بالقرآن مفلساً من القلب، ولست أعني بالقلب هذا الذي تكتنفه عظام الصدر بل أعني به السر الذي هو من عالم الأمر واللحم الذي هو من عالم الخلق عرشه والصدر كرسيه وسائر الأعضاء عالمه ومملكته ولله الخلق والأمر جميعاً ولكن ذلك السر الذي قال الله تعالى فيه: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}، هو الأمير والملك لأنَّ بين عالم الأمر وعالم الخلق ترتيباً، وعالم الأمر أمير على عالم الخلق، وهو اللطيفة التي إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، من عرفها فقد عرف نفسه، ومن عرف نفسه فقد عرف ربَّه).
- (وإنما الأهم الذي أهمله الكل علم صفات القلب وما يحمد منها وما يذم إذ لا ينفك بشر عن الصفات المذمومة مثل الحرص والحسد والرياء والكبر والعجب وأخواتها وجميع ذلك مهلكات، وإهمالها من الواجبات، مع أن الاشتغال بالأعمال الظاهرة يضاهي الاشتغال بطلاء ظاهر البدن عند التأذي بالجرب والدماميل والتهاون بإخراج المادة بالفصد والإسهال، وحشوية العلماء يشيرون بالأعمال الظاهرة كما يشير الطرقية من الأطباء بطلاء ظاهر البدن، وعلماء الآخرة لا يشيرون إلا بتطهير الباطن وقطع مواد الشر بإفساد منابتها وقلع مغارسها من القلب، وإنما فزع الأكثرون إلى الأعمال الظاهرة عن تطهير القلوب لسهولة أعمال الجوارح واستصعاب أعمال القلوب كما يفزع إلى طلاء الظاهر من يستصعب شرب الأدوية المرة فلا يزال يتعب في الطلاء ويزيد في المواد وتتضاعف به الأمراض، فإن كنت مريداً للآخرة وطالباً للنجاة، وهارباً من الهلاك الأبدي، فاشتغل بعلم العلل الباطنة وعلاجها، على ما فصلناه في ربع المهلكات، ثم ينجر بك ذلك إلى المقامات المحمودة المذكورة في ربع المنجيات لا محالة، فإنَّ القلب إذا فرغ من المذموم امتلأ بالمحمود، والأرض إذا نقيت من الحشيش نبت فيها أصناف الزرع والرياحين، وإن لم تفرغ من ذلك لم تنبت ذاك، فلا تشتغل بفروض الكفاية لا سيما وفي زمرة الخلق من قد قام بها، فإن مهلك نفسه فيما به صلاح غيره سفيه، فما أشدَّ حماقة من دخلت الأفاعي والعقارب تحت ثيابه وهمَّت بقتله، وهو يطلب مذبة يدفع بها الذباب عن غيره، ممن لا يغنيه ولا ينجيه مما يلاقيه من تلك الحيات والعقارب إذا همت به، وإن تفرغت من نفسك وتطهيرها وقدرت على ترك ظاهر الإثم وباطنه وصار ذلك ديدناً لك وعادة متيسرة فيك، وما أبعد ذلك منك فاشتغل بفروض الكفايات وراع التدريج فيها).
- (أما المتعلم فآدابه ووظائفه الظاهرة كثيرة، ولكن تنظم تفاريقها عشر جمل الوظيفة الأولى تقديم طهارة النفس عن رذائل الأخلاق ومذموم الأوصاف إذ العلم عبادة القلب وصلاة السر وقربة الباطن إلى الله تعالى وكما لا تصح الصلاة التي هي وظيفة الجوارح الظاهرة إلا بتطهير الظاهر عن الأحداث والأخباث، فكذلك لا تصح عبادة الباطن وعمارة القلب بالعلم إلا بعد طهارته عن خبائث الأخلاق وأنجاس الأوصاف).
من آداب طالب العلم:
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 779