responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 726
ـ[هَذِه سَبِيْلِي]ــــــــ[01 - 11 - 2011, 10:05 م]ـ
والرد على استدلالهم هذا من وجوه:

الوجه الأول: أن سؤال موسى ربه أن يراه دليل على جواز رؤيته سبحانه، إذ موسى أعلم بالله من أن يسأله مستحيلا في حقه، ودعوى أنه إنما سأله ليقيم الحجة على قومه عارية عن الدليل بل هي محض تخرص، فموسى إنما سأل ربه منفردا ودون سابق طلب من قومه كما تدل عليه الآيات في قوله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخرَّ موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} (الأعراف:142 - 143). فواضح أنه لا دلالة في منطوق النص ولا في مفهومه على أن طلب موسى الرؤية كان لإقناع بني إسرائيل باستحالتها، كيف وقد طلب الرؤية حال اعتكافه وخلوته، ثم لماذا يطلب التوبة من سؤاله الرؤية إذا كان إنما سألها لإقامة الحجة على بني إسرائيل.

الوجه الثاني: أن الله لم ينكر عليه سؤاله، ولو كان ما سأله محالا وممتنعا لأنكر الله عليه سؤاله كما أنكر على نوح عليه السلام سؤاله نجاة ابنه، وقال سبحانه لنبيه نوح عليه السلام: {إني أعظك أن تكون من الجاهلين}.

الوجه الثالث: أنه تعالى قال: {لن تراني} ولم يقل إني لا أُرى، أو لا تجوز رؤيتي، أو لست بمرئي، والفرق بين الجوابين ظاهر، ألا ترى أن من كان في كمِّهِ حجر فظنه رجلٌ طعاماً فقال أطعمنيه، فالجواب الصحيح أن يقول: إنه لا يؤكل، أما إذا كان طعاما، صح أن يقال إنك لن تأكله، وهذا يدل على أنه سبحانه مرئي ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار، لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته تعالى، يوضحه قوله: {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني} فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار فكيف بالبشر الذي خلق من ضعف.

الوجه الرابع: تجليه سبحانه للجبل: {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا} فإذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو جماد، فكيف يمتنع أن يتجلى لرسله وأوليائه في دار كرامته.

الوجه الخامس: قوله تعالى: {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني} حيث علّق سبحانه رؤيته على استقرار الجبل، واستقرار الجبل أمر ممكن، والمعلّق على الممكن ممكن.

الوجه السادس: أن دعواهم أن "لن" تفيد النفي المؤبد مردودة كما قد نص على ذلك أئمة اللغة، يقول ابن مالك في ألفيته:

ومن رأى النفي بلن مؤبدا * فقوله اردد وسواه فاعضدا

ومما يدل على بطلان ادعاء أن "لن" تفيد النفي المؤبد، قوله تعالى عن الكفار: {ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم} أي: الموت، فلو كانت "لن" تفيد التأبيد المطلق لما صح أن يتمنى كافر الموت لا في الدنيا ولا في الآخرة، لكن الله ذكر أن الكفار يتمنون الموت في الآخرة، كما في قوله سبحانه: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك} (الزخرف: 77) فدل على أن "لن" لا تفيد النفي بإطلاق بل يمكن تقييدها بأدلة أخرى، وعليه فيكون معنى قوله تعالى لموسى: {لن تراني} أي في الدنيا.

ومما استدل به منكرو الرؤية قوله سبحانه: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم} (الشورى:51). ووجه استدلالهم بالآية على نفي الرؤية أن الله حصر تكليمه للأنبياء في ثلاثة أوجه: وهي الوحي بأن يلقي في روعه ما يشاء، أو يكلمه بواسطة من وراء حجاب، أو يرسل إليه رسولا فيبلغه عنه، فيستلزم ذلك انتفاء رؤيته حال التكلم.

والجواب أن الآية تتحدث عن صور الوحي لا عن الرؤية، والوحي إنما يقع في الدنيا لا في الآخرة، فالآية موافقة لمذهب السلف في نفي الرؤية في الدنيا ولا تعارض أدلة إثباتها في الآخرة.

هذا ما يتعلق بما استدلوا به من القرآن الكريم، أما من السنة فقد استدلوا ببعض الأحاديث كحديث أبى ذر رضي الله عنه أَنَّهُ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنّى أراه) رواه مسلم. قالوا: هذا الحديث ينفي الرؤية مطلقا حيث استبعد حصول الرؤية بقوله: (أنّى أراه) وأنّى بمعنى كيف. ولو علم صلى الله عليه وسلم بأنه سيراه في الآخرة لأخبر أبا ذر رضي الله عنه.

والجواب عن هذا الاستدلال بأنه خطأ بيِّن، فسؤال أبي ذر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ متعلق بحادثة المعراج، وهي حادثة وقعت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي في الدنيا وليست في الآخرة، وعليه فالنفي النبوي لا ينسحب على الرؤية في الآخرة.

وكونه صلى الله عليه وسلم لم يخبر أبا ذر في نفس الحديث بأنه سيراه في الآخرة غير لازم، لأن سؤاله رضي الله عنه عن واقعة المعراج فحسب، فجاء الجواب مقتصرا على تلك الحادثة.

أما المروي عن مجاهد في هذه المسألة، وما نقل عنه من تفسير قوله تعالى: {إلى ربها ناظرة} فهو رأي تفرد به، وعدَّه العلماء شذوذا، قال الإمام القرطبي تفسيره: " قال ابن عبد البر: " مجاهد وإن كان أحد الأئمة بالتأويل، فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم: أحدهما هذا – يعني أن الله سبحانه يجلس نبيه صلى الله عليه وسلم معه على كرسيه- والثاني في تأويل {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة} قال: معناه تنتظر الثواب، وليس من النظر ".

ومع هذا فلا يدل قوله هذا على أنه - رحمه الله - لا يرى الرؤية، وإنما غاية ما فيه أنه ذهب في تفسير الآية مذهبا مخالفا لمذهب من أثبتها، ولا يعني انتفاء دلالة الآية عنده على الرؤية انتفاء دلالة غيرها من الأدلة الأخرى، ولا سيما الأحاديث والتي بلغت حدَّ التواتر.

تلك كانت شبهات من أنكر رؤية الباري سبحانه، وتلك كانت ردود أهل السنة عليهم، والتي ظهر بها مدى صحة مذهب السلف في إثبات الرؤية، ومدى ضعف وتهافت أدلة من أنكرها والله أعلم.

من الشبكة الاسلامية

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 726
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست