نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 591
وقد أمر الله تعالى موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام أنْ يقولا لفرعون قولاً ليناً مع أنه قد تجاوز الحدَّ في كفره وطغيانه، قال تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّنَاً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.
وقال أبو عون الأنصاري: «ما تكلم الناس بكلمة صعبة، إلا وإلى جانبها كلمة ألين منها تجرى مجراها».
وقال أبو حمزة الكوفي: «واعلم أنهم لا يعطونك بالشدة شيئاً إلا أعطوك باللين ما هو أفضل منه».
نعم يجب على الأولاد البر بالوالدين حتى لو أساؤوا، فليس البر مقتصراً على مقابلة الإحسان بالإحسان، إذ الإحسان لمن أحسن يكون لكل النَّاس حتى من غير المسلمين فقد قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين حتى لو كانا كافرين: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنيا مَعْرُوفاً}، وليس هناك ذنب أعظم من الكفر، فإذا كانوا مفرطين في حق الله ومع ذلك أمر الله بالإحسان إليهم فكيف إذا كانوا مفرطين بحق الابن؟! فالإحسان إليهم من باب أولى.
لكن هذا لا يعني عدم التقدير للأولاد أو الإساءة إليهم من هذا المنطلق، وقد عاتب أعرابي أباه - وإنْ كان الابن البار لا يستحسن أن يقول مثل هذا – فقال له: «إنَّ عظيمَ حقِّك علي، لا يذهب صغير حقِّي عليك، والذي تمتُّ به إليَّ أمتُّ بمثله إليك، ولستُ أزعم أنَّا سواء، ولكن لا يحلُّ لك الاعتداء».
إن أعظم المربِّين والمعلمين هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال: (إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ) ([4] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn4)). فكيف كان تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه؟
لقد كانت تربية النبي صلى الله عليه وسلم قائمة على الرفق والرحمة واللطف، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظَّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ) ([5] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn5)). وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الخَيْرَ) ([6] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn6)).
وجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَمْ أَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَمْ أَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَقَالَ: (تَعفُو عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً) ([7] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn7)).
وقالت عائشة رضي الله عنها: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِماً إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ فَيَنْتَقِمَ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ» ([8] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn8)).
وقال أنس بن مالك «خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ وَاللهِ مَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَلا قَالَ لِي لِشَيءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا، وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا» ([9] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn9)).
إنَّ هذا التعامل الراقي هو الذي جعل زيد بن حارثة رضي الله عنه لا يريد بدلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما جاء لفدائه والده وعمه، وخيَّره النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبيه وعمه، قال زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بالذي أختار عليك أحداً، أنت مني بمكان الأب والعم؛ فقالا: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرية؟ وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ قال: نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً ([10] (http://www.ahlalloghah.com/#_ftn10)).
¥
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 591