responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 579
تحريف الأناجيل
ـ[هَذِه سَبِيْلِي]ــــــــ[06 - 01 - 2012, 11:46 ص]ـ
تحريف الأناجيل
د. سفر الحوالي

كتاب: العلمانية، نشأتها وتطورها، وأثرها في الحياة الإسلامية المعاصرة
(رسالة ماجستير)

ليس ثمة شك في أن الله تبارك وتعالى إنما أنزل على المسيح عليه السلام إنجيلا واحداً مُكَمِّلاً للتوراة المُنزلة على موسى عليه السلام، وما من شك أيضا في أن المسيح حين هتف ببني إسرائيل: " قد كَمُل الزمان واقترب ملكوت الله فتربوا وآمنوا بالإنجيل" -مرقص: 1: 16 - وإنما كان يعنى ذلك الإنجيل المُنزل، لا شيئاً آخر سواه.

والقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي تكفل الله بحفظه بنفسه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [سورة الحِجر - الآية 9]. أما الكتب السابقة فقد وُكِّل حِفظها إلى علماء دينها.
{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} [سورة المائدة - الآية 44]. إذن فقد كان في عهدة الكنيسة أن تحفظ هذا الإنجيل بنصِه السماوي وصِبغته الإلهية، فلا يمسه عبث عابث ولا يجترئ عليه يد محرف، لكن الكنيسة كعادتها فرطت في واجبها، بل إنها هي التي فتحت للمعرضين باب التحريف والقول على الله بغير علم.
إن محرري دائرة المعارف البريطانية، وهم من ذوى الكفاءات العالية في معظم التخصصات – ومنها اللاهوت – لم يتطرفوا أو يبالغوا في القول بأنه "لم يبق من أعمال السيد المسيح شئ ولا كلمة واحدة مكتوبة" -الجفوة المفتعلة بين العلم والدين: ص 13 - بما إنما عبروا بذلك عما ينبغي أن يقرره الباحث العلمي المدقق.
ونحن المسلمين نؤمن بأن في خبايا الأناجيل شيئاً من أقوال المسيح وتعاليمه التي يحتمل أنها وحى من الله، لكن ذلك لم يثبت لدينا بسند تاريخى موثوق إلى المسيح، وإنما آمنا به لأننا لو عرضناه على الوحى الإلهي المحفوظ "القرآن" والسُنَّة، لوجدنا الصلة بينهما واضحة أما من لا يؤمن بالقرآن ولا يعترف إلا بحقائق البحث المجرد فليس غريباً أن ينكر الأناجيل برمتها مثل قولة دائرة المعارف البريطانية هذه.
ولندع رأي المعاصرين ولنعد إلى القرن الأول الميلادي حيث احتمال وجود الإنجيل أقوى وأرجح، فماذا نجد؟ يقول آدم كلارك أحد شارحي
الأناجيل:
"محقق أن الأناجيل الكثيرة الكاذبة رائجة في أول القرون المسيحية وكثرة هذه الأحوال الغير صحيحة هيجت لوقا على تحرير الإنجيل، ويوجد ذِكر أكثر من سبعين من هذه الأناجيل الكاذبة والأجزاء الكثيرة من هذه الأناجيل باقية، وكان "فابرى سيوس" جَمَع الأناجيل وطبعها في ثلاث مجلدات" - إظهار الحق: ص 292، وانظر محمد رسولاً نبياً / عبد الرازق نوفل: ص 188.
هكذا قفز العدد من واحد إلى سبعين، والمسيحية لا تزال في مهدها، مما دفع لوقا إلى كتابة إنجيله، فأي هذه الأناجيل يا ترى الإنجيل الحقيقي الموحى إلى المسيح ما دمنا مُسَلِّمين بأن الله لم يُنْزِل إليه إلا إنجيلاً واحداً؟
إن لوقا نفسه ليفسح لنا الطريق إلى الحقيقة النيرة التي تهدم الأناجيل كلها – ومنها إنجيله – وها هي ذي مقدمة إنجيله تنطق بها:
يقول لوقا في المقدمة: " إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتبقية عندنا كلما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً، إذ قد تتبعت كل شئ من الأول بتدقيق، أن أكتب إليك على التوالي أيها العزيز تاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمت به "صح: 1.
وعلى هذا فلا السبعون الكاذبة ولا إنجيله الصادق وحي من الله ولا أحدها هو منسوب إلى المسيح، بل الكل سِيَر وقصص يكتبها أتباع المسيح عن حياته ودعوته كما سمعوها من أسلافهم الذي رأوا المسيح وخدموه، ولو استعرنا عبارة الفيلسوف الفرنسى غوستاف لوبون لقلنا عن الأناجيل:
"هي مجموعة من الأوهام والذكريات غير المحققة التي بسطها خيال مؤلفيها"حياة الحقائق: ص 62.
إن أشبه الكتب الإسلامية بالأناجيل، من جهة موضوعها لا من جهة ثبوتها، هي كتب السيرة … فهل يمكن بأى حال من الأحوال القول بأن سيرة ابن هشام مثلاً وحي منزل من الله؟ إن هذا لمحال شرعاً وعقلاً، فكيف وسيرة ابن هشام مقطوع بنسبتها إلى مؤلفها ومتصلة السند بصاحب السيرة صلى الله عليه وسلم ومحفوظة بأصلها العربي، لم تتناولها الترجمات، كما هو الحال في الأناجيل، كما أنها لم تُفرض بسلطة قانونية أو كهنوتية وإنما أقرها البحث والتدقيق، وكم من علماء مسلمين بلغوا ذروة العبادة والورع لا يعتد الباحثون المسلمون من رواياتهم بشيء لأن شروط التحقيق العلمي لم تتوفر فيهم، أما الكنيسة فلا يكاد راهب ينقطع في صومعة أو عابد يتظاهر بحب المسيح حتى نقول "أنه مملوء بالروح القدس" وتمنحه لقب "رسول" أو "قديس" وتعد كلامه وحياً ملهماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولذلك فليس غريباً أن يكون لدى الكنيسة مائة وعشرون رسولاً - انظر أعمال الرسل من العهد الجديد صح:1 - يؤخذ كلامهم على علاته قضايا مُسَلَّمة، وتقديس رسائلهم كما تُقَدَّس الأناجيل.
تلك حصيلة المسيحية في قرونها الثلاثة الأولى: سبعون إنجيلاً يُكَذِّب بعضهم بعضاً، ومائة وعشرون رسولاً، منهم من أَلَّف أناجيل، ومنهم من كتب رسائل، ومنهم من كان يكرز (يعظ) من حفظ ومعلوماته … وطوائف وفرق تجل عن الحصر تختلف في قضايا أساسية بالغة الأهمية.

نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين    جلد : 10  صفحه : 579
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست