ما أجملَ هذا الإنصاف، وما أحسنَ هذا العدل! فأهل الكتاب لم يجعلهم الله في مرتبة واحدة ولا أطلق عليهم حكماً واحداً، وإنما بيَّن أصنافَهُم وأنواعَهُم وحَكَمَ على كلِّ صنف بما يستحق، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحَداً ..
فهل يتعلَّم من هذه الآيات من يطلق الأحكام على من لا يحبه من الناس أو الجماعات والمذاهب والطوائف ويعمم في كلامه ويجعلهم كلهم في مرتبة واحدة.
8ـ ليس هناك مانع أن ينتمي المسلم إلى أي مذهب من المذاهب الإسلامية، لكن المصيبة أن بعضهم يتعصب لمذهبه تعصباً يُبْعِدُه عن العقل والحكمة، فيوالي ويعادي من أجلها، ويقوم بالتقليل والانتقاص من المذاهب الأخرى، فيكون سبباً في تفريق المسلمين وفي إيقاع العداوة والبغضاء بينهم، ويخدم بذلك أعداء الإسلام من غير أجر يتقاضاه منهم.
إنَّ الاختلافَ في الفروع والظنيَّات وليس في الأصول والقطعيَّات، وتعدُّدَ المذاهب الإسلامية هو من الاختلاف المحمود الذي يثري الفكر الإسلامي، ويوسِّع على الناس في عباداتهم ومعاملاتهم، ولا يصح أنْ يكون سبباً للعداوة والبغضاء بين المسلمين.
إنَّ الأعداءَ يعلمون أنَّ غايةَ المسلمين واحدةٌ وهدفَهُم واحدٌ، فلذلك يعادونهم جميعا، فعلى المسلمين أن يتحدوا ويتعاونوا جميعا، كما يعاديهم أعداؤهم جميعا.
9ـ وجِّه نقدك ونقضك للفكرة، ودعك من الحكم على قائلها، كيلا تقع في هوَّة الخصومة الشخصيَّة، والتكفير والتبديع لمعيَّن بغير حقٍّ.
إنَّ تكفيرَ المسلمِ يعني الحكمَ عليه بالخلود في النار، ويعني بطلانَ زواجه من المسلمة، وأنه ليس له حقوق المسلمين فلا يتوارث منهم ولا يدفن في مقابرهم، ويعني جراءةَ البعضِ على استحلال دمه وقتله، بل والتقرُّب إلى الله بذلك.
10ـ إنَّ الذي يربِّي أتباعَهُ على التعصُّب والإقصاء وانتقاص الآخرين، غالباً ما يشرب من نفس الكأس التي ملأها وربَّى الناس عليها، فالجزاء من جنس العمل، وكم هي الحالات التي انقلب فيها السحر على الساحر! فمَنْ يزرعِ الشوكَ فلنْ يَحصدَ إلا ما زرع ..
ولأنْ تعلِّمَ الأتباع على الإنصاف واتباع الحقِّ الذي يظهر لهم، فيوافقوك في رأيك واجتهادك مرةً ويخالفوك أخرى وهم يحكِّمونَ دينَهُم وعقولَهُم، خيرٌ من أن ينقادوا لك بعاطفةٍ مَبنيَّةٍ على شفا جُرُف هارٍ، لا يضبطها عقلٌ ولا عِلْمٌ، ولا تَثْبُتُ على حال، فسرعان ما تتحوَّل وتنقلب من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، وعندها قد يصبح الصديق عدواً، والعدو صديقاً، فتنقلب هذه العاطفة وتصبح معادية لمن كانت له موالية.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً والحمدُ للهِ ربِّ العَالمين.
نام کتاب : ملتقى أهل اللغة نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 10 صفحه : 169